أنت الآن هنا: الصفحة الرئيسة - وسائط إعلامية - مقالات مكتوبة - وُونِي إِوَعْزَام خَاطِ اِمْحَمَّد اَنْ يُوسَف

مقالات مكتوبة

الإثنين 15 جويلية 2013

وُونِي إِوَعْزَام خَاطِ اِمْحَمَّد اَنْ يُوسَف

د. الهادي الحسني

دعاني الإخوة الميزابيون يوم الأحد الماضي لإلقاء درس في "مركَّب المنار" بالحميز، فلبيت الدعوة امتثالاً لحكم الله -عزّ وجلّ- القائل {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}، وتطبيقًا لأمر رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- القائل: "إذا دعاك أخوك فَأَجِبْ" وإغاظة للشيطان الذي لا يُفرِحُه إلاّ أن ينزغ بين المسلمين ليجعل بأسهم بينهم، فيفرق صفهم، ويشتت كلمتهم، ويثير العداوة والبغضاء بينهم.

 وفي أثناء الحديث أثيرت قضية تكريم العلماء، فتلفظ الأستاذ عيسى بن محمد الشيخ بلحاج بجملة باللسان الأمازيغي الميزابي وهي "وُونِي إِوَعْزَام خَاطِ اِمْحَمَّد اَنْ يُوسَف" ثم تفضل بتعريبها وهو "هذه الحفاوة كلّها للعلم لا لمحمد بن يوسف".

إنّ قائل هذه الجملة هو الإمام امْحمّد بن يوسف اطفيش، الذي آتاه الله بسطة في العلم، حتى بلغ درجة الاجتهاد، فطارت شهرته في الآفاق، وذاع صيته، وأتته الأوسمة والنياشين، وقد سماه عالِمُ عُمَان ومجددها الإمام نور الدين السَّالمي: "قطب الأئمة".

عرف الإمام "القطب" بغزارة العلم، وحدّة الذكاء، حيث جلس للإقراء وسنه ست عشرة سنة، وتخرج على يديه كثير من العلماء، منهم الشيخ أبو إسحاق اطفيش، وإبراهيم أبو اليقظان، وسليمان الباروني، الزعيم الليبي المعروف، وترك ثروة غزيرة من التآليف المختلفة الأحجام والموضوعات أوصلها بعض الدارسين إلى 300 من أهمها تفسيره للقرآن الكريم، وشرح النيل في الفقه الإباضي... وله مراسلات كثيرة مع أنداده في العلم داخل الوطن وخارجه.

يعتبر الإمام اطفيش من أنصار "الجامعة الإسلامية" التي كانت تدعو لوحدة المسلمين، ونصرة "الخلافة" الإسلامية، الممثلة آنذاك في الدولة العثمانية رغم نقائصها، وكان من أبرز المناضلين في سبيلها جمال الدين الأفغاني، ومحمد عبده، وصالح الشريف الجزائري وغيرهم.

ومما امتاز وتميّز به الإمام "القطب" أنّه كان يحقد على فرنسا حقدًا شديدًا لاعتدائها على الجزائر، ولما أُهدي له وسام فرنسي، وجاء مسئولٌ فرنسي ليُوَشِّحَه "قدّم له طَرَف ردائه السُّفلي ليعلّقه عليه"، ولما سُئل عن ذلك قال: "العلم يعلو ولا يُعلى عليه".

وأما سبب قول الإمام "القطب" تلك الجملة "هذه الحفاوة كلّها للعلم لا لمحمد بن يوسف" فهو أنّه لما زار مدينة القرارة، استُقبِل استقبالاً حافلاً، تقديرًا لمكانته، وإكبارًا لشخصه، ففُرشت له الزرابي من مدخل المدينة إلى وسطها، حيث توجد "دار العلم"؛ خشي أن يوسوس الشيطان في صدره، وأن يُدَلِّيه بغرور... وهذا شأن كلّ تقيّ لا يكبر في صدره إلا العظائم؛ أما زخارف الدنيا من قول أو عمل فهي لمن تعظم في أعينهم الصغائر... ويشترطونها فيما يأتون وفيما يتركون... ومن كانت همته في الثريا احتقر الثرى والزاحفين عليه.

وليعلم الذين يظنون -جهلاً منهم- أنّ الجزائر ليست بلد العلم ولا يوجد فيها علماء أنّ الإمام "القطب" (1821-1914) لم يشرِّقْ أو يغَرِّبْ في طلب العلم، وكانت دراسته كلّها في الجزائر وعلى علماء جزائريين.

وقد أفرحني عندما علمت أنّ الدفعة الثالثة والعشرين من طلبة جامعة الأمير عبد القادر سُميَت باسم هذا الإمام الكبير، وأنّ اسمه أُطلق على المركز الجامعي في غرداية.

وياليت الذين يزّكون أنفسهم، يتعلّمون خلق التواضع من هذا العالم ومن أمثاله...

---------

هوامش:

 1 - جمعية التراث: معجم أعلام الإباضية ج 4، ص 835 - 849

المصدر جريدة الشروق

 

إضافة تعليق