أنت الآن هنا: الصفحة الرئيسة - أحداث ومحطات - فتنة غرداية ديسمبر 2013 - هل السِّلم ممكن في غرداية؟

أحداث ومحطات

الإثنين 13 جويلية 2015

هل السِّلم ممكن في غرداية؟

د. محمد بن موسى باباعمي

هل السِّلم ممكن في غرداية؟ أم أنه خارج السيطرة، والتفكير فيه تفكير حالم؟
وإذا كان ممكنا، على يد مَن يتحقَّق؟

هل حقَّا أهالي البلد، وعقلاء المجتمع، قادرون على مدِّ يد الأمن والسِّلم؟ أم أنهم فقدوا (أو أفقِدوا) كلَّ سلطة، وكلَّ تأثير على المجتمع، لعدَّة أسباب؟

أم أنَّ السِّلم رهين بأداء الجهاز السياسي، بكلِّ مستوياته، وقد كانت الفرصة سانحة أمامه لوقت طويل؟

أم أنَّ السِّلم لا يحقِّقه إلاَّ الجيش، الحامي حمى الوطن، بالصلاحيات التي يملكها، وبقوة الردع التي يتميز بها، وبالانحياز الصارم للحقِّ وللعدل، لا للاعتبارات والحسابات؟

أم أنَّ الأيدي الخارجية، التي لطالما أشار إليها أصحاب الرأي والسلطة، هي التي تحدد الوجهة، وهي التي تقرِّر المصير؟

*******

في تقديري، الجميع اليومَ متيقِّن أنَّ دوام الحال على فوهة بركان، مما لا يحتمله أحد، والجميع خاسر جراءه... لا أحد يستفيد، مهما توهَّم أو أوهم نفسه والناس أنه الرابح وغيره الخاسر؛ ولذا فالجميع، إلاَّ شرذمة ممن باع دينه وذمَّته وضميره، الجميعُ يفكِّر جديًّا في السلم، وفي وسائله، وأسبابه، وحقيقته، وتحققه؛ والجميع يتألم للفرص التي ضيِّعت خلال العامين السابقين، بفعل فاعل، أو بتقدير أحمق من بعض قصار النظر، وأصحاب المصالح الآنية القذرة.

لكن الجميع، لا يعرف كيف؟ ولا ما هي الخطوة الأولى؟ ولا متى يكون؟ ولا على يد مَن يتحقَّق؟ ولا كيف يواجه أسباب إفشال المحاولات السابقة؟ ولا كيف يتحرَّك ضدَّ تيار الإعلام المحرِّض للفتن، والنداءات المتطرفة المشعلة للنار؟ ولا كيف يتم تجاوز الأحقاد وروح الانتقام؟

الجميع كذلك، لا يعرف كيف تطوَّرت القضية رُويدا رويدا إلى هذا الحدِّ، بل يجد نفسه مغلوبا على أمره، مجبرا غير مخيَّر في رأيه، وأنَّ وسائلَ ودعوات ومخططات الفرقة تفوق الفرد، والمجتمع، بل وحتى الدولة، فيما يبدو... لتُصبح معطى دوليا، وقضية عالمية؛ الجميع مسؤول عنها ظاهرا، ولا أحد يقدر على إخماد حريقها، ولا إبراد رمادها.

ومع ذلك، فدعوتنا إلى الخيرين، وهم كثرٌ، أن لا يفشلوا، ولا يُلقوا بالمنشفة البيضاء على الحلبة، ولا ييأسوا من روح الله ومن رحمته، وأن يكون صرفهم وعدلهم، قولهم وفعلهم، خيارهم ونظرتهم... لله الواحد الأحد، الرحيم الغفور، القائل: "ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم".

وإذا ما خفتت دعوى السِّلم، وإذا ما صمت أهلها، لا قدَّر الله، تركنا ديننا، وبلدنا، وحضارتنا، ويومنا، ومستقبلنا، ومصير أهلينا جميعا... تركنا ذلك للجحيم، وللريح الصقيع، وللمحن التي لا تنطفئ أبدا، وفوق ذلك، نترك مصيرنا لسخط الواحد القهار علينا، ولن ننال رضاه، ولا رحمته، ولا جنته، فنكون – نعود بالله من ذلك – ممن "خسر الدنيا والآخرة، ذلك هو الخسران المبين".

لكن، إذا ما عدنا إلى إيماننا وتوحيدنا وعقيدتنا وقرآننا وهدي نبينا عليه السلام، وإذا ما ابتغينا رضوان ربنا، وعصينا الشيطان والهوى فينا، واتبعنا سُبل الحقِّ والصدق، فإننا بحول الله تعالى سنجد الجواب على السؤال الصعب:

*ماذا بعد الفتنة؟ وهل يمكن أن تستمر الحياة مستقبلا بعد كلِّ هذا الاحتقان؟

غير أنَّ المسؤولية عالقة على عاتق الجميع، بلا استثناء: أهل البلد بجميع شرائحهم، وسكان المناطق المجاورة الذين لهم أثر وعلاقة بالبلد، وسكان الجزائر الذي يتعلق مصيرهم بمصير غرداية لا محالة، وجميع الخيرين الصالحين المصلحين من المسلمين، بل وحتى غير المسلمين الذين أيسوا من المناورات والفتن المدوَّلة، لمصالح وأغراض دولية رخيصة...

هي دعوى للسِّلم إذن، سنقف على جبهتها، نواجه من خلالها كلَّ دعوى للحرب وللفتنة، وليضَع كلٌّ منا بصمته عليها، ولنشرع في العمل حسب دوائرنا وحدود تأثيرنا. ولنتذكَّر أننا على متن سفينة واحدة، نجاتنا رهينة بنجاة الجميع، وهلاك واحد منا هو هلاكنا جميها: "فإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا، وإن تركوهم هلكوا وهلكوا جميعا".

ولقد قال أحد أولياء الشباب الذين ماتوا شهداء الفتنة: "نسِّلم أرواح أبنائنا هدية للجزائر، ولوحدة الوطن، وندعو إلى السِّلم والأمن، ولا نطالب بثأر ولا بانتقام، ونحتسب أمرنا وأجرنا لله الواحد القهار".

المصدر : فيكوس

إضافة تعليق