أنت الآن هنا: الصفحة الرئيسة - نافذة على مزاب - التراث الإباضي - مشروع معلمة الفقه الإباضي

نافذة على مزاب

الثلاثاء08 جويلية 2008

مشروع معلمة الفقه الإباضي

د. مصطفى بن صالح باجو

تمهيد:
لا يختلف اثنان من المطلعين على نتاج المدرسة الإباضية حول أهمية إسهام علماء هذه المدرسة في إثراء الفقه الإسلامي بمختلف فروعه وتخصصاته.
 ولئن ذهب كثير من هذا النتائج في أتون الفتن، وما شهده تاريخ المسلمين من أعاصير، فقد حفظت لنا الأيام ـ رغم ذلك ـ من نفائس هذا التراث الشيء الكثير، وما نجا من الضياع يعدّ بحقّ مفخرة في تاريخ التشريع الإسلامي.
 وما يُطمئِن الخلف على تأمين هذا التراث تلك الجهود المخلصة التي قامت لإبراز هذا النتاج طباعة وتحقيقا ودراسة وفهرسة، أسهم بها أفراد ومؤسسات خاصة وعامة في مراكز مختلفة من العالم الإسلامي مشرقا ومغربا.
 ومن بواكير جهود نشر هذا التراث إسهام المطبعة البارونية بالقاهرة، وما نشر في زنجبار في ظلّ حكم العمانيين أواخر القرن التاسع عشر الميلادي، ثمّ مساعي الشيخ أبي إسحاق اطفيش أثناء مقامه بالقاهرة، ثمّ جهود المطبعة العربية وجمعية التراث بالجزائر، فضلا عن جهود فردية كثيرة تتابعت وتنامت في العقود الأخيرة، يعسر حصرها في هذا المقام.
 كما كان لجهود سلطنة عمان نصيب الأسد في هذا المضمار، تَمثّل أساسا في ما نشرته وزارة التراث القومي والثقافة من كنوز هذا التراث الفكري على امتداد ثلاثة عقود من الزمان.
 تجدر الإشارة إلى أنّ أبرز حدث أسهم في التعريف بتراث الإباضية الفقهي على مستوى عالمي كان نشر كتاب شرح النيل للقطب أطفيش بزنجبار ثمّ إتمام نشره بالقاهرة على يد الشيخ أبي إسحاق أطفيش. ثمّ إعادة نشره في لبنان سنة 1972م، وتصويره أكثر من مرّة بعد ذلك. ممّا ساهم في التعريف بفقهنا، ومنه دخل هذا الفقه عالم النشر الإلكتروني في الأقراص المدمجة ومواقع الانترنت. حتى صار شرح النيل مصدر الباحثين الأوحد عن الفقه الإباضي.
 ومن هنا جاءت فكرة التعريف بهذا الفقه وتقديمه لأهله ولكلّ باحث في أسلوب عصري، ورأينا أن الخطوة الأهم في تيسير الاستفادة من هذا الفقه هي العمل المعجمي الميسر، الذي يضع المسألة للباحث في إطار موضوعي متناسق، وفي صورة مبسوطة مشفوعة بالدليل أو المصدر بأوضح عبارة وأقرب سبيل، وتلك سمة المؤلفات المعجميّة والمنهجيّة أساسًا، إذ تقوم على حسن التصنيف والتبويب، والفهرسة الموضوعية للمسائل والموضوعات.
 وقد سبق إلى مثل هذا باحثون ومؤلفون من مذاهب أخرى، ومجامع فقهية ومؤسسات متخصّصة في العالم الإسلامي، فوضعوا فهارس فنيّة لتراثهم الفقهي ومعاجم لفقه بعض المذاهب والأعلام، فضلا عن الموسوعات الفقهية الشاملة، والتي تتصدّرها الموسوعة الفقهية الكويتية.
 فاستطاعت بذلك تبسيط نتاجها وحسن عرضه، وقدّمت مادة علمية ميسورة لعموم المسلمين في كثير من قضاياهم العبادية والمعاملات المعاصرة.
 ونذكر من بين تلك الأعمال المتنوّعة:
• موسوعة فقه ابن حزم الظاهري، لعبد المنتصر الكتاني.
• موسوعة الفقه الإسلامي، المعروفة بموسوعة جمال عبد الناصر، من وضع لجنة من علماء الأزهر.
• الفقه الإسلامي وأدلّته، للدكتور وهبة الزحيلي.
• فهرس مسائل كتاب المغني لابن قدامة المقدسي، من وضع علماء بتكليف وزارة الأوقاف الكويتية، فيما أذكر.
• المعجم الفقهي، سعيد أبوجيب، ويعني بتحديد المصطلحات أكثر من الأحكام.؟؟
• قرص "جامع الفقه الإسلامي" من إنتاج شركة حرف لتقنية المعلومات وتمويل وزارة الأوقاف الكويتيّة، والبنك الإسلامي للتنمية بجدّة. وفيه فهرس موضوعي شامل للفقه الإسلامي.
وللعلم فقد كان لكتاب الزحيلي "الفقه الإسلامي وأدلته" صدى طيب في العالم الإسلامي، وطبع أكثر من خمس وعشرين طبعة، ولكنّ الكتاب خال من آراء الإباضية، رغم ذكر المؤلف أنّه اعتمد آراء المذاهب المختلفة، وقد كتب عن الإباضية كلاما غير موضوعي في طبعات الكتاب الأولى، ثمّ روجع فيه فرجع في الطبعة الثالثة، ولكنّ آراءهم ظلت غائبة عن الكتاب في كلّ الطبعات اللاحقة، ثّم اقترحت عليه إضافتها فوافق على الفكرة واعتذر عن التنفيذ، بسبب ضخامة العمل وعجزه عن إنجازه لظروفه الصحية، وكان المقترح أن ينتدب مجموعة من الباحثين لذلك ثمّ يدرج العمل في الكتاب لاحقا.
 ويتمّ إنجاز المشروع بإتباع منهج الزحيلي في ترتيب الموضوعات والمسائل، ثمّ توزع المسائل على مواضعها من الكتاب. أو يبقى العمل مستقلا في كتاب يمثل في النهاية فقه الإباضية في ثوب معاصر.
 وبعد الحوار مع الدكتور محمد باباعمي كان الرأي أن ننجز العمل وفق تصوّر مستقل عن منهج الزحيلي، ونختاره من بين الموسوعات المذكورة، ونوزّع العمل فيه على نخبة من الباحثين المتخصّصين، ليكون بعد ذلك محقّقا لوصف ابن رشد لكتابه "كفاية المقتصد وبداية المجتهد".
 علما بأنّ المشروع قد تمّ عرضه على وزارة الأوقاف العمانية، ولم توافق عليه بعد، وربّما جاءت موافقتها لاحقا، والواجب يقضي بالتعجيل بإنجازه بالوسائل المتوفّرة، لأنّه أصبح ضرورة ملحّة تتطلّبها حياتنا الدينية والاجتماعية، فضلا عن جاجة الباحثين في كلّ أنحاء العالم والمسلمين بالتبع للتعرّف على نتاج هذه المدرسة الفقهي، بعد أن عرفوا نتاجها العقدي والسياسي والحضاري.
 ولا يخفى أنّ للإباضية نظرات فقهية سديدة في مختلف أبواب الفقه، وبخاصة في مجال المعاملات والفقه الجنائي، بيد أنّها كنوز مطمورة ضمن موسوعاتهم الفقهية، لا يقوى على سبرها واستخلاصها إلاّ المتخصّصون ممن أوتوا ملكة على البحث، وطول نفس في التقصي، وصبرا جميلا لتقليب تلك الموسوعات التي تعدّ بالعشرات.
 لذا كان من الضروري تقريب الشقة على الباحثين، وتيسير الأمر على الراغبين في الاستفادة من هذه الكنوز، بوضع معلمة للفقه الإباضية تعرض نتاج هذه المدرسة في أسلوب مبسط ميسور، وفق تصنيف موضوعي مترابط، على شاكلة الموسوعات المذكورة.
 ولا ريب أنّ مشروع معلمة الفقه الإباضي هذا سيكون عظيم الفائدة إذا سلك منهج تلك الموسوعات والمعاجم، واستوعبها لتحقيق هذا الهدف الحضاري الهام. لأنّه يخدم هذا التراث ابتداء، وفي ذلك خدمة للإسلام أوّلا وأخيرا.

أهداف المشروع:
 ويمكن تحديد أهداف المشروع وثمراته المرجوّة في النقاط التالية:
1. إعادة صياغة التراث الفقهي الإباضي في نمط معاصر يستجيب لآليات التأليف الموضوعي المنهجي.
2. توفير المادة العلمية من تراث الفقه الإباضي للدارسين والباحثين ممّن يعنون بالبحث عن الرأي المعتمد أو الراجح لدى هذه المدرسة، وتبيّن موقعه ضمن اجتهادات فقهاء الإسلام.
3. غربلة الآراء المختلفة لفقهاء الإباضية، واختيار ما يحقّق مقاصد الشريعة، ويوائم العصر، ويستجيب لحاجات البشرية التي أفرزها تطوّر الحياة وتعقّدها في مختلف المجالات.
4. تقريب الشقة بين المدارس الفقهية بصورة عملية بعد تنامي الدعوة إلى هذا التقريب في مناسبات ومؤتمرات عالمية عديدة، دون أن نجد لها صدى على صعيد الواقع العملي.
5. تبسيط الفقه لغير المتخصّصين ممن لا قدم لهم في الشريعة، حتّى يتمكّنوا من استفادة أحكام دينهم بأيسر مجهود، بدل عناء البحث الطويل في بطون الموسوعات، وهو ما لا تسمح به طبيعة تلك الموسوعات ولا مستوى عامة المستفيدين منها.
6. تبيين مدى أصالة الفقه الإباضي، ومميزاته في الاجتهاد، بما يمكنه من إمداد المجتهدين بآراء سديدة في قضايا العصر، وبخاصة في مجالات المعاملات المالية والنظُم.

منهج العمل: 
 ويتمثّل تصوّرنا للمشروع وفق الخطة الآتية:
1. وضع خطّة شاملة لموضوعات الفقه وفق الترتيب الموضوعي. مع الاستفادة من قائمة مصطلحات الفقه المنجزة ضمن "معجم مصطلحات الإباضية" والمادة العلمية المنجزة ضمن مشروع "موسوعة تراث السلف الإباضية".
2. الاستهداء بخلاصة تجارب الموسوعات والمعاجم الفقهية السابقة.
3. من المقترح أن نختار طريقة الموسوعة الفقهية الكويتية، ذات الترتيب المعجمي، التي أثبت الواقع جدواها من حيث يسر البحث عن الموضوع، وسهولة الوصول إلى الهدف، سواء على المتخصّصين أم غيرهم من الباحثين والمثقفين. مع مراعاة خصوصية الفقه الإباضي في بعض الموضوعات والتفريعات.
4. ويكون تصنيف المادة العلمية بالجمع بين المنهج الموسوعي في ترتيب المعاجم، والتأليف الموضوعي وفق أبواب الفقه، وتعيّن العناوين الرئيسية للموسوعة، مثلا: الصلاة، يضمّ
أبوابا كبيرة، فيفرّع إلى مواد متعدّدة: القبلة، شروط الصلاة، نواقض الصلاة. الصوم: يضمّ مواد: أنواع الصوم، أركان الصوم، مبطلات الصوم ...إلخ.
من المواد أيضا: الطلاق، البيوع، الشركة، الرهن، الإجارة، الهبة، الوديعة، اللقَطة، الكفارة: تعريفها، أنواعها، مقاديرها. إلخ...
5. الاعتماد على كتب الفقه المعتمدة في الفقه الإباضي، كمصادر أساسية للمادة العلمية، نذكر منها على سبيل المثال: المدونة الكبرى، الضياء، الجوامع العمانية، المصنف، بيان الشرع، الإيضاح، قواعد الإسلام، شرح النيل، معارج الآمال، ...إلخ.
6. يعتمد العمل أرجح الأقوال وأشهرها عند الإباضية.
7. توثّق الأقوال بأبرز أهمّ الأدلة المعتمدة دون تحليل مستفيض.
8. تكون عند الاقتضاء مقارنات مع أراء المدارس الفقهية الأخرى بما ينتسب وحجم المشروع. مثل قضية نقض الصوم بالجنابة، ونقض الوضوء بالمعصية، ومدة الحيض والحمل، وبعض أحكام الطهارات، وأفعال الصلاة.
9. يتمّ توثيق المادة العلمية من مصادرها طمأنةً للباحث عن المرجع والدليل، وإرشادا لمن يريد التوسع والتفصيل.
10. للباحث أن يورد رأيه في المسألة إن تبين له عدم وجاهة الآراء الأخرى، ولكن مع إيراد تلك الآراء للأمانة العلمية، وترك الحرية للقارئ في الاختيار.
11. يراعى إبراز الروح المقاصدية في الموسوعة، وعدم الجمود على حرفية النصوص، مثل قضية إسبال الثوب بين المشارقة والمغاربة. وقضية أداء الكفارة بقيمتها بدلا عينها.ل
خطوات العمل:
1. وسوف يشارك في إنجاز المشروع باحثون أكاديميون من خريجي الجامعات في علوم الشريعة والقانون والاقتصاد.
2. يتمّ تحديد قائمة المشاركين من حملة الماجستير والدكتوراه. وقد يستعان بغيرهم عند الضرورة حسب كفاءاتهم العلمية واستعدادهم للعمل.
3. يتمّ تحديد قائمة المصادر المعتمدة في المشروع، لتكون المجال الذي تجمع منه المادة العلمية أساسا، وقد يتوسّع إلى غيرها عند الاقتضاء.
4. يكلّف الباحث بإنجاز بطاقة مصطلح وما تضمنته من تفاريع ومسائل، وفق شجرة المعجم المعدّة سلفا.
5. يلتزم الباحث باستيفاء بحثه ولا يلزمه استقصاء المصادر، مع الالتزام بالقائمة المرجعية المعتمدة.

 

 كتبه الدكتور  مصطفى باجو

المصدر : موقع جمعية الثراث

 

 

 

إضافة تعليق