أنت الآن هنا: الصفحة الرئيسة - أحداث ومحطات - فتنة غرداية ديسمبر 2013 - كلمة جنازة الشهيد أوجانة حسين بن عمر

أحداث ومحطات

الثلاثاء 15 جويلية 2014

كلمة جنازة الشهيد أوجانة حسين بن عمر

عيسى بن محمد الشيخ بالحاج

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم
﴿ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُوتِي الْمُلْكَ مَن تَشَآءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَآءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىا كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَن تَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ نحمد الله جلَّ في علاه مهطعين حقَّ حمده وهو الذي لا يحمد على مكروه سواه، ونقدِّسه في كمالاته مخبتين حقَّ قداسته سبحانه تعاظمت نعماه، ونسبِّحه حقَّ تسبيحه مخلصين له الدين لا إله سواه، هو الوليُّ الحميد ﴿ وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ﴾ القائل في محكم تنزيله ﴿ وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ اَن تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُّوَجَّلاً وَمَنْ يُّرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُوتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُّرِدْ ثَوَابَ الاَخِرَةِ نُوتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيءٍ قُتِلَ مَعَهُ رِبِّـيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَآ أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ﴾ وأشهد أن لا إله إلاَّ الواحد الديَّان، المتفرِّد بالملك والملكوت، والعزَّة والجبروت، المتوعِّد الظالمين بقوله ﴿وَلاَ تَحْسِبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُوَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الاَبْصَارُ مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَآءٌ﴾ والصَّلاة والسَّلام على أعظم المبتلين، وأجمل الصابرين، وأسوة المحتسبين، ورحمة الله للعالمين، محمَّدِ بنِ عبد الله القائل تسلية للمبتلين، وتخفيفًا عن المصابين: ثَلاَثَةٌ لاَ تُرَدُّ دَعْوَتُهُمُ، الإِمَامُ الْعَادِلُ، وَالصَّائِمُ حَتَّى يُفْطِرَ، وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ يَرْفَعُهَا اللَّهُ دُونَ الْغَمَامِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَتُفْتَحُ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَيَقُولُ: بِعِزَّتِى لأَنْصُرَنَّكِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ، فاللَّهمَّ صلِّ على خيرِ من وارى الثرى بدنا، وسلِّم على أكملِ من كان للورى سننا، وعلى آل بيته الأكرمين، وأنبل صحبه أجمعين، وعلى من استمسك بحبل الله المتين، واعتصم بهدي نبيئه الأمين، مستعينا بالصبر والصلاة إلى يوم يقوم الناس لربِّ العالمين

أيُّها الإخوة المؤمنون من بني قومي الأباة، ويا كلَّ نفس راضيةٍ بقضاء الفعَّال لما يريد، سلام عليكم تكنُّه الجوانح من ربٍّ غفور، ورحمة شاملة تحفُّها المدائح من برٍّ شكور، في هذا المشهد الرهيب الذي يلتئم في هذا المحشد المهيب، وهذا المعلم الرحيب صباح يوم الثلثاء 17 رمضان 1435 هـ 15 جويلية 2014 م لتوديع رجل نرجو أن يكون عند الله شهيدا، السيد حسين بن عمر بن بابه بن بالحاج أوجانه، الذي فارق دار الهوان في عزٍّ منذ أيام، والتحق بدار الحيوان أملا أن ينعم بجوار حور مقصورات في الخيام، ولقد كانت وفاته فجيعة كبرى حلَّت بنا نحن أبناء هذه المنطقة التي تئنُّ تحت وطأة الفتنة الغاشمة، التي أراد مثيروها أن يفتنوا بها المؤمنين والمؤمنات في كلِّ مسلك وطريق ﴿ إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُومِنِينَ وَالْمُومِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ ﴾ لا يرقبون في مؤمن إلاًّ ولا ذمَّة، ولا يرعوون لنداء العقل ولا لصوت الحكمة، ولا يرعَون صلاحا للبلاد ولا فلاحا للأمة، ولا يُراعون قدرا للشهر الفضيل ولا قيمة، فتبَّت أيديهم من سفهاء، وشُلَّت أيمانهم من رعناء، وغُلَّت أعناقهم من تعساء، ﴿ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ إِذِ الاَغْلاَلُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلاَسِلُ يُسْحَبُونَ فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ

أيُّها الإخوة المؤمنون لقد غادر الفقيد دار الفناء إلى دار البقاء بعد أن استوفى رزقه، فَإِنَّ نَفْسًا لَنْ تَمُوتَ حَتَّى تَسْتَوْفِىَ رِزْقَهَا وَإِنْ أَبْطَأَ عَنْهَا، وبعد أن استوفى أجله و﴿ اللَّهُ يَتَوَفَّى الاَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا ﴾ وكانت وفاته في المكان الذي قدَّره الله لعبده ﴿ وَمَا تَدْرِي نَفْسُم بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ وكانت موتته بالسبب الذي قدِّره المولى في أزله، ﴿وَاللَّهُ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمُ أَزْوَاجًا وَمَا تَحْمِلُ مِنُ انثَىا وَلاَ تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلاَ يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِي كِتَابٍ اِنَّ ذَالِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾ إنَّه قضاءُ الله القاهر ولا رادَّ لقضائه، وحكمُه النافذُ ولا معقِّب لحكمه، وأمرُه الجاري ولا يسال عمَّا يفعل، وإنَّه الموت يترصد قاطعا كلَّ أجل، والحٍمام يتهدَّد رادعا كلَّ أمل، ﴿ فَلَوْلآَ إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَكِن لاَّ تُبْصِرُونَ فَلَوْلآَ إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ تَرْجِعُونَهَآ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾ فحمدًا لك في الحال والمآل يا من لا يحمد على مكروه سواه إلاَّ عذاب السعير، وإنَّ القلب ليخشع، وإنَّ العين لتدمع، وإنَّ على فراقك يا حسين لمحزونون، غير أنَّا لا نقول إلاَّ ما يرضي ربَّنا، فـ ﴿يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُّقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتُم بَلَ اَحْيَآءٌ وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الاَمْوَالِ وَالانفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَآ أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّآ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبـِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴾ فما أحكم مشيئةَ الرحمن في كلِّ ما تأتي وتذر، وما أرحم عدالةَ الديَّان في كلِّ ما عظم ونزر، وما أتعس الإنسانَ إن هو طغى وكفر، ويا بشراه بالسعادة إن هو احتسب وشكر، تلك لعمري عظم المنَّة في المنية، وذلك إي وربِّي جزيل الثواب على عظيم المصاب ﴿ اِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ وإذ كان الأمر كذلك
فَارضَ الَّذِي رَضِيَ الإِلَهُ لَهُم به أتُرِيدُ تَنقُـضُ حِكمَةَ الدَّيَّانِ
هَل فِي عُقُولِهِمُ بأنَّ الرُّوحَ فِي أعلَى الرَّفِيـقِ مُقِيمَةٌ بِجِنَـانِ
وَتَرُدُّ أوقَاتَ السَّلاَمِ عَلَيهِ مـِن أتبَاعـِهِ فِي سَائِـرِ الأزمَانِ

أيُّها الأحبة الأكارم، ما أصعب الحديثَ عن موت نفس مؤمنة، وَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ، وكلّ مصيبة دون الدين هيِّنة، لقد كان الفتى حسين من خيرة الشباب، وكانت وفاته حقًّا بأحد الأسباب التي قضاها العزيز الوهاب، قالوا: حادثُ مرور صدمه بشاحنة فأرداه قتيلا، وقالوا يدٌ غادرة رمته ففقد السيطرة على دراجته فارتطم فسقط صريعا، وقالوا حجارةٌ راجمة انهالت عليه فزرعت فيه الموت فأضحى هالكا، وقالوا وقالوا وقالوا، في ظروف فتنة عمياء تغشى البلاد لا تبقي ولا تذر، تحيل البصر خَاسِئًا لا رأي له ولا نظر، فما عسانا نحن الأحياء الذين طهَّر الله أيدينا من رجز الفتنة إلاَّ أن نطهِّر ألسنتا من رجس المحنة، ونفوِّض الأمر للواحد القهَّار ﴿ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالاَرْضِ وَاللَّهُ عَلَىا كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴾ ونسلِّم القضيَّة للعزيز الجبَّار ﴿ عَالِمُ الْغَيْبِ لاَ يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الاَرْضِ وَلآَ أَصْغَرُ مِن ذَالِكَ وَلآَ أَكْبَرُ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ﴾ فإن كان قد مات حتف أنفه فهو شهيد إذ خرج في سبيل كسب قوت عياله، وعنه صلى الله عليه وسلم في الرجل إن كان يسعى على أبويه شيخين كبيرين فهو في سبيل الله، وإن كان يسعى على ولد صغار فهو في سبيل الله، وإن كان يسعى على نفسه ليغنيها فهو في سبيل الله، وإن كان قد مات بسبب داهية حادث مرور فهو شهيد، فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ وعنه صلى الله عليه وسلم مَا تَعُدُّونَ الشَّهِيدَ فِيكُمْ؟ قَالُوا مَنْ قُتِلَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ. قَالَ: إِنَّ شُهَدَاءَ أُمَّتِى إِذاً لَقَلِيلٌ، الْقَتْلُ فِى سَبِيلِ اللَّهِ شَهَادَةٌ، وَالْبَطَنُ شَهَادَةٌ، وَالْغَرَقُ شَهَادَةٌ وَالنُّفَسَاءُ شَهَادَةٌ، وَالطَّاعُونُ شَهَادَةٌ، وكذلك نقول حادث المرور شهادة لما فيه من روع المنون، فيكتسب بهذا شهادتين كاملتين، وإن كان قد مات غدرا وغيلة فقد حقَّت له بذلك ثلاث شهادات كاملات، يعضدها وفاته في شهر المغفرة والرضوان، وإقامة مراسيم جنازته في ذكرى يوم بدر، يوم الفرقان يوم التقى الجمعان، ﴿إِنْ يَّمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الاَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَآءَ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ﴾ فهو إذن شهيد على كلِّ حال، وسعيد في كلِّ مآل، فيا طوباه إن آواه الولي الحميد إلى رحابه، ويا فرحتاه إن تقبَّله القوي المجيد في عباده ﴿يَاعِبَادِي لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلآَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ الَّذِينَ ءَامَنُوا بِئَايَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ يُطَافُ عَلَيْهِم بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الاَنفُسُ وَتَلَذُّ الاَعْيُنُ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ وَتِلْكَ الْجَنَّةُ التِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِّنْهَا تَاكُلُونَ

أيُّها الأحبَّة في الله، لنا في كلِّ موت عبرة جليلة، ولنا في كلِّ ميت فكرة جميلة، فما أرى الموت إلاَّ خاطفا كلَّ نفس مهما اشتدَّ بها الأمل، ودائلا كلَّ دولة مهما امتدَّ بها الأجل، وكلُّ نفس ذائقة الموت، ومن لم يمت بالسيف مات بغيره، فيا معاشر الناس أعدوا العدَّة قبل فوات الأوان، واستعدُّوا للرحيل قبل أن يُرفع للموت الأذان، فما تدري نفس بأي أرض تموت، هاهنا تُسكب العَبرات، وهاهنا تسكت العِبارات، وقد تغيرت الدنيا فصرنا نعيش أشراطها، وامتد بنا الزمان فعدنا نرى من الأجنَّة أوغادها، فكان القابض على دينه كالقابض على الجمر، يمسي المرء على الإيمان فيصبح على الكفر، لقد استبيحت الدماء، وانتهكت الأعراض، واستحلَّت الأموال، وتلك لعمري المحنة التي تدكُّ البلاد، والفتنة التي تنهك العباد، والإحنة التي تفتك الأكباد، فرحماك ربي ليس إلإَّ إليك الملاذ، ثبِّتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي دار المعاد، ووفِّقنا إلى الشكر عند السراء، والصبر عند الضراء، فكلُّ شيء أردته وقع، وكلُّ شيء وقع كان كما أردت، وإرادتك متعلقة بالحكمة المطلقة، وحكمتك المطلقة متعلقة بالخير المطلق ﴿ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىا كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ ﴿ فَعَسَىآ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ﴾ فأكثروا من الاستغفار لله فعن الحبيب المصطفى وعنه صلى الله عليه وسلم مَنْ لَزِمَ الاِسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا، وَمِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ واصبَغوا أنفسكم بصبغة الله ﴿ صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنَ اَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ ﴾ وليِّنوا قلوبكم بذكر الله ﴿ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَىا لَهُمْ وَحُسْنُ مَئَابٍ
يا معاشر الإخوة المؤمنين لسنا دعاة فتنة، ولا بغاة إحنة، ولا سعاة ضغنة، نحن أبناء أمة الإسلام شعارنا السلم والسلام، ونحن أنضاء الإيمان دثارنا الأمن والإيمان، لا نرضى لنهج بارئنا تعدِّيا، ولا نبغي لحكم خالقنا تحدِّيا، سبحانه إنَّه القائل: ﴿ وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ اِلاَّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىا ثُمَّ إِلَىا رَبـِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّـئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾ والقائل ﴿وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَئَانُ قَوْمٍ اَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُواْ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىا وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى اَلاِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ والقائل:﴿ اِنَّ رَبـَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ ﴾ والقائل:﴿ وَلاَ تَحْسِبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ﴾ والقائل:﴿ اِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ﴾ يُملي للظَّالم حتَّى إذا أخَذَه لم يُفْلِته، والقائل ﴿ وَمَنْ يَّقْتُلْ مُومِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا ﴾ فالسكينة السكينة، والوقار الوقار، والهدوء الهدوء معاشر الأحباب، لا نرضى لأحد أيًّا كان، ولأي دافع كان أن يركب أمواج القضية، أو أن يتَّجر بدماء الضحية، فمطالبنا جليَّة واضحة، ومساعينا حثيثة ناصحة، إلى قمَّة هرم سلطة البلاد راكضة، رعايةً لمصالح المتضرِّرين، وإطلاقا لسراح المعتقلين، وتعزيةً لأسر المصابين، ﴿ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِـيِّهِ سُلْطَانًا فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَـتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنصُورًا ﴾ وموعدنا معهم في دار البقاء، يوم تجزى كلُّ نفس بما تسعى، فما لنا من ركن شديد نأوي إليه إلاَّ القويَّ القاهر فوق عباده، وحسبنا توكُّلا قولنا في صدق ﴿قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالاَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ

يا أبناء عائلة الشهيد الصابرين، والدة ووالدًا، وزوجة وولدا، وإخوة وحفدة، ماذا عسانا نقول لكم وأنتم المصابون المفجوعون، وبماذا نسلِّيكم وأنتم التقاة المحتسبون، فما لنا من بيان مسلٍّ سوى الركونِ إلى كلام المولى، والسكون إلى حديث المصطفى، فلكم ولأمثالكم ممَّن آثرهم الرحمن واصطفى، نعمَ البشرى ونعمت الزلفى، فاستمعوا لما قال وأنصتوا، وثقوا بمن قال واحتسبوا: ولكم في آل المصطفى وعنه صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة، فَلَمَّا قُبِضَ رَسُولُ الله وعنه صلى الله عليه وسلم وَجَاءَتِ التَّعْزِيَةُ ، جَاءَ آتٍ يَسْمَعُونَ حِسَّهُ، وَلاَ يَرَوْنَ شَخْصَهُ فَقَالَ: السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ وَرَحْمَةُ الله، فِي الله عَزَاءٌ مِنْ كُلِّ مُصِيبَةٍ، وَخَلَفٌ مِنْ كِلِّ هَالِكٍ، وَدَرْكٌ مِنْ كُلِّ مَا فَاتَ، فَبِالله فَثِقُوا، وَإِيَّاهُ فَارْجُوا، فَإِنَّ الْمَحْرُومَ مَنْ حُرِمَ الثَّوَابَ وَالسَّلاَمُ عَلَيْكُمْ. فاحتسوا أبنكم يا أهل الفقيد على الحوض فَرطا، وإيَّاكم أن تُسلموا لنوازع الناس، وتُنصتوا لنوازغ الخناس فيكونَ أمركم فُرطا، هذا وإنَّنا نصدقكم القول أيُّها الجمع الكريم أنَّنا وجدنا أهله صابرين، وألفيناهم محتسبين، لم تزعزع رواسخَ إيمانهم عواطفُ الحزن على وفاة ابنهم، فكانوا مثالا للصبر الجميل والإيمان الأصيل، والاحتساب المثيل، فهنيئا لهم أن أبلغهم الله تعالى حقيقة الإيمان كما قال النبيء لِكُلِّ شَىْءٍ حَقِيقَةٌ وَمَا بَلَغَ عَبْدٌ حَقِيقَةَ الإِيمَانِ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَهُ، وَمَا أَخْطَأَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَهُ. وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، فطوبى لهم وحسن مآب.

أيُّها الجمع الكريم، إنَّها النكبة كبرى، وإنَّها النفوس جزعى، وإنَّهنَّ الأرامل ثكلى، وإنَّهم الأيتام جوعى، فليست المؤاساة تعزيةً تلفِّقها الألسنة، أو تتشدَّق بها الأفواه، أو تذرف بها الدموع، وإنَّما المؤاساة الحقُّ رعاية الأرملة، وكفالة اليتيم، وكفاية المحتاج، وإعالة الجائع، وإغاثة الملهوف وفي هذا فليتنافس المتنافسون، ولمثل هؤلاء فليقم القائمون، وفي مثلهم فلينفق المنفقون، ﴿ فَلاَ اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ وَمَآ أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ فَكُّ رَقَبَةٍ اَوِ اِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ اَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ
أمَّا فقيدنا الذي عاش مسكينا ومات مسكينا وسيحشر مسكينا فهذه ترجمة مختصرة لحياته
ولد حسين بن عمر بن بابه بن بالحاج أوجانه في القرارة سنة 1393 هـ 1973 م
زاول تعليمه الابتدائي والمتوسط بين المدرسية الرسمية ومدرسة الحياة في مسقط رأسه القرارة
انتقل إلى حياة العمل والكد وامتهن الحداد وكلُّ صانع كدَّاد وكبيرهم الحدَّاد
انتقل للعمل في مدينة غرداية سنة 1996 وبقي هناك إلى يوم وفاته
انتقل إلى رحمة الله صباح يوم الخميس 12 رمضان 1435 هـ 10 جويلية 2014 م
متزوج بزوجتين وأب لخمسة أطفال ثلاثة ذكور، وبنتان أبقاهم الله تعالى ذكرا لأبيهم
هذا فإذا كانت الترجمة صغيرة في شكلها فإنَّها كبيرة في مضمونها، وإن بدا وضيعا في عين العباد فإنَّه رفيع في عين ربِّ العباد الذي يقول: ﴿وَمَآ أَمْوَالُكُمْ وَلآَ أَوْلاَدُكُم بِالتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَىآ إِلاَّ مَنَ ـ امَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ جَزَآءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ ءَامِنُونَ
معاشر السادة المكرمين، جرت العادة عند وقوع المظالم وحدوث المناكر أن ننهى عن المنكر على رؤوس الأشهاد في المساجد، معذرة إلى الله، فردِّدوا معي ننهى عن المنكر، ننهى عن المنكر، ننهى عن المنكر.

أيُّها السادة الأفاضل باسم حلقة العزابة الموقرة، وباسم أعيان قصر القرارة المظفرة، وباسم كلِّ الجمعيات الحرة الخيرة، وباسم كلِّ الطيِّبين من سكَّان القرارة جمعاء، وباسم كلِّ ذي كبد رطبة تجأر إلى الله ضارعة، نتقدَّم بالتعزية الخالصة إلى أنفسنا أوَّلا ونحن المفجوعون، وإلى أسرة الفقيد، وأهله الأقربين ثانيًا، وإنَّا وإيَّاهم جميعا لمحزونون، وحسبنا تأسية بشارة فالق الحبِّ والنَّوى: ﴿وَلاَ تَحْسِبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاَم بَلَ اَحْيَآءٌ عِندَ رَبـِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمَآ ءَاتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمُ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ كما نشكر لكلِّ الوافدين إلينا من كلِّ حدب وصوب تحمُّلَهم مشاقَّ التنقل لأداء واجب العزاء، وفي ذلك تخفيف من أحزاننا، وتفتيت لمصابنا، فحفظكم المولى الرحيم يوم ظعنكم ويوم إقامتكم، وصلَّى عليكم البرُّ الكريم طرفي النهار وزلفا من اللَّيل، فلا أراكم مكروها فيمن تحبُّون، ولا أجزع نفوسكم فيما تأملون. فاللهمَّ جنِّبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهمَّ إنَّا لا نسألك ردَّ قضائك ولكن نسألك اللُّطف فيه، اللَّهمَّ نجِّنا ممَّا نخاف ونحذر، اللهمَّ ثبِّت رجاءك في قلوبنا حتىَّ لا نخاف ولا نحذر ولا نرجو أحدًا سواك، فنجنا يا حليم، وارحمنا يا رحيم، ﴿ رَبَّنَآ أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ ﴾ ﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالاِيمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ ءَامَنُوا رَبَّنَآ إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ﴾ آمين آمين إِنَّ اللَّهَ وَمَلآَئِـكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيءِ ﴿ يَآ أَيـُّهَا الذِينَ ءَامَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه و سلِّم تسليما كثيرًا
﴿سُبْحَانَ رَبـِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلاَمٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ

القرارة صباح الثلاثاء 17 رمضان 1435 هـ 15 جويلية 2014 م
عيسى بن محمد الشيخ بالحاج
أستاذ بمعهد الحياة القرارة

إضافة تعليق