أنت الآن هنا: الصفحة الرئيسة - أحداث ومحطات - فتنة غرداية ديسمبر 2013 - قصور آثم ينعش الفتنة النائمة

أحداث ومحطات

السبت 11 جويلية 2015

قصور آثم ينعش الفتنة النائمة

حبيب راشدين

الذين اختاروا العشر الأواخر من هذا الشهر المبارك لسفك الدم الحرام في نزاع غامض، يشترك فيه جميع أطرافه في الكذب والتضليل، إنما أرادوا تكدير أجواء الفرحة على المواطنين بعيد الاستقلال المجيد، واستعدادهم لاستقبال عيد الفطر المبارك الذي يختم شهرا أراد الله أن يكون أوله رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار.

المنكر في ما جرى ويجري في منطقة غرداية، المعروفة تاريخيا بحسن التعايش بين أهلها، ليس في هذا السقوط المتسارع في أتون فتنة مصطنعة غامضة، بل يُنكر فيها، وفي المقام الأول، ذلك التراخي الآثم في تطويق مصادرها وروافدها، ورصد الأيادي الشيطانية التي تحرّكها خلف الستار، قبل أن تتفاقم وتنتحل من أخواتها من الفتن التي تعصف بالمشرق العربي عناوين الصدام العرقي أو المذهبي الذي يهدد اليوم التعايش بين أبناء الشعب الواحد.

عبثا تبحث في التغطيات الإعلامية للأزمة، أو في تصريحات الأعيان ومن يصفهم الإعلام بالنشطاء السياسيين، عبثا تبحث عن قصة صادقة أمينة، تحيط بأصل الأزمة بين من بدأ الإعلام يصفهم ـ لغاية في نفس يعقوب ـ بعرب الشعانبة "المالكيين" والأمازيغ "الإباضيين" وكأنما تريد الأيادي التي تعمل تحت هذه الرمال المتحركة توطين فتنتين: الأولى "عِرقية" بين عموم العرب وعموم الأمازيغ، والثانية "مذهبية" لن تتوقف عند أبناء غرداية من المسلمين: مالكيين وإباضيين.

لا شك أن المنطقة تعيش منذ سنوات أزمات اقتصادية واجتماعية، واختراق حديث النشأة لحالة التعايش، تراخت الدولة في معالجتها، لا تختلف كثيرا عن سواها في ربوع الوطن، كما فشلت المؤسسات التقليدية، وأعيان القوم من الطرفين في تحصين أبنائهم من الخطاب المذهبي المتشنج الوافد علينا من فتن المشرق، ليحملوا وزرهم من المسؤولية مع ما هو من نصيب مؤسسات الدولة.

وكيفما كانت الأطراف المتورطة، في الواجهة أو خلف الستار، فإن الأزمة كانت وستظل أزمة محدودة، قابلة للتطويق أمنيا أولا، ثم سياسيا، بالبحث عن أصولها الحقيقية، ورصد منشطيها وقمعهم بالوسائل القانونية المتاحة، خاصة وأن معظم ممثلي الفئتين من الأعيان قد حمّلوا الدولة المسؤولية، ولا يمانعون في أن تنشر الدولة ما بيدها من قوة ظاهرة، رادعة وكافية لحماية الممتلكات، ومنع تكرار المأساة التي كلفت البلد 22 ضحية وعشرات المصابين.

تقاعس الدولة ومؤسساتها الإدارية والأمنية المحلية والوطنية في تطويق الأزمة وهي في المهد، رغم تنقل رئيس الوزراء إلى عين المكان أكثر من مرة، وتنظيم أكثر من لقاء مع الأعيان، قد ينتج عن مثل هذا التقاعس الغريب عواقب وخيمة، أقلها ضررا أن ينشأ شعور مشروع عند سكان بوجود حالة من عجز الدولة أمام أزمة محدودة، لم تكن يوما ما  فوق قدرات وصلاحيات السلطات المحلية، حتى تستعصي على تدخل الدولة بأعلى مؤسساتها.

المصدر : جريدة الشروق

إضافة تعليق