أنت الآن هنا: الصفحة الرئيسة - أحداث ومحطات - الملتقى الدولي الثاني لقطب الأيمة 2014 - في ذكرى الشيخ طفيش القطب

أحداث ومحطات

السبت 22 نوفمبر 2014

في ذكرى الشيخ طفيش القطب

إبراهيم بن عمر كركاشه

الخطبة الأولى

إن الحمد لله نحمده ونستعينه  ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا . من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له القائل : { يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات والله بما تعملون خبير } المجادلة 11.

وأشهد أن محمدا عبده ورسوله القائل:{...وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب ، وإن العلماء ورثة الأنبياء...} رواه الترمذي.

أما بعد فيا أيها الإخوة المؤمنون :

قبل بضعة أيام أقيم بمدينة غرداية ملتقى عظيم لرجل عظيم في يومين دراسيين علميين عن حياة قطب الأئمة الشيخ امحمد بن يوسف اطفيش الميزابي الجزائري رحمة الله عليه وقد حضره ثلة من العلماء الأجلاء والمشايخ الفضلاء والدكاترة والأساتذة والباحثين والطلبة وجمهور غفير من الناس من مختلف المناطق و من عمان وليبيا وتونس والإمارت وألمانيا جزاهم الله خير الجزاء.

وكلهم شغف وتلهف إلى ما سيقدم من أنواع العلوم والمعارف ، وقد أقيم هذا الملتقى في جامعة الشيخ اطفيش بغرداية كما سماها بصفة رسمية فخامة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة عام 2008 م.

وقد مضى اليومان سريعا سرعة البرق في غاية الروعة شكلا ومضمونا وقد حلق بنا المحاضرون عاليا مبرزين مآثر الشيخ اطفيش وعلمه الغزير وأعماله الجليلة ومواقفه المشرفة وتآليفه الكثيرة المتنوعة ورسالاته الرائعة ورحلاته الدعوية ...

إن هذا الملتقى يعتبر لفتة طيبة إلى ماض حافل بالمفاخر ووقفة رائدة لاستنطاق التاريخ ، ولتنشيط الذاكرة ولاستجلاء مناقب من مضى من علمائنا ومشايخنا دون التاريخ أسماءهم بأحرف من نور في سجل الخالدين فكانوا لصلاحهم وتقواهم وعلمهم وتضحياتهم في سبيل الإسلام والمسلمين من الأبرار، وعند الله من أوليائه الصالحين الأخيار ، وحق لنا أن نذكرهم بخير بكل فخر وثبات ، لأنه عند ذكر الصالحين تنزل الرحمات.

أيها الإخوة المؤمنون :

أرى من باب الوفاء لهذا الشيخ الجليل أن أستسمح العلماء والدكاترة في أن أدلي بدلوي الصغير مع الدلاء فأقدم ترجمة مختصرة لهذا الشيخ الفاضل حتى يتسنى لمن لم تسعفه ظروفه الخاصة من حضور فاعليات الملتقى أن يتعرف على الشيخ ومناقبه...والحق أن يومين من المحاضرات قليل في حق مشايخنا الأفذاذ الذين ينادون من طيات كتبهم وتراثهم قائلين: يجب وجوبا أن يطلع الجيل الحاضر من أبنائنا وأحفادنا وشبابنا على السلف الصالح من هذه الأمة المباركة حتى يعتزوا و يبنوا حاضرهم ومستقبلهم على أمجاد الماضي المشرق وحتى يثبتوا على مبادئهم ويموتوا على ما ماتوا عليه. 

أعرض عليكم نبذة من سيرته في نقاط موجزة:

ـ ولد الشيخ اطفيش ببلدة غرداية عام 1827 م ثم انتقلت عائلته إلى بلدة بن يزجن واستقرت بها.

ـ ختم القرآن وحفظه وعمره ثماني سنوات ، ثم التحق بحلق العلم ينهل من بحوره.

ـ من الله عليه بالذكاء والحافظة والذاكرة القوية فكان يلتهم الكتب التهاما.

ـ لما بلغ السادسة عشرة من عمره بدأ التأليف وجلس للتدريس بتزكية من مشايخه.

ـ لما بلغ العشرين من عمره كان عالم وادي ميزاب.

ـ لما بلغ الثلاثين من عمره كان قد ألف ثلاثين كتابا.

ـ أراد إصلاح مجتمعه ومحاربة البدع فصادف معارضة من بعض أهل البلد فنفوه إلى بلدة بنورة فبقي فيها سبع سنوات.

ـ أحس أعيان بلده بالندم فأرجعوه معززا مكرما فأصبح رئيس العزابة وشيخ المسجد وكبير الأعيان.

ـ كان عبقريا ألف في أغلب الفنون من كتب ورسائل ، بلغت تآليفه ثلاثمئة مؤلف .

ـ كان حريصا على وقته لا يضيعه أبدا ، قال تلميذه الشيخ أبو اليقظان : لا يعرف إلا في تدريس علم أو في تأليف كتاب، ألف ما لا نستطيع قراءته في عصرنا هذا...وتلك بركة ربانية للشيخ في عمره وصحته ووقته.

ـ من أشهر كتبه : تيسير التفسير ، وشرح النيل ، والذهب الخالص ، وشامل الأصل والفرع...

ـ له مكانة مرموقة بين علماء الإسلام لعلمه الواسع ولقد ألقى بعض الدروس في مسجد رسول الله e .

ـ كان عدوا لفرنسا ووقف بشدة في وجه الاستعمار وحرض الناس على الجهاد بكل الوسائل.

ـ كان غيورا على دينه معتزا بمذهبه غير متعصب يهمه أمر المسلمين ويتألم لما يصيبهم من المستعمرين ويدعو إلى الوحدة و نبذ الافتراق.

ـ أعد جيلا مباركا من العلماء والمشايخ الذين حملوا المشعل بعده نحو إصلاح النفوس والأوضاع بالتعليم والوعظ والإرشاد .

ـ توفي القطب عام 1914 م وعمره 87 عاما حافلة بالمنجزات والأعمال الجليلة رحمة الله عليه.  

أيها الإخوة المؤمنون :

إن السؤال الذي يجب أن يطرح عندما تقام مثل هذه الملتقيات وتحضرها مثل هذه الشخصيات هو :

لماذا تقام هذه الملتقيات ولماذا تذكر هذه الشخصيات ولماذا تحيا هذه الذكريات وما هي العبرة المنشودة من كل ذلك ؟ إن الجواب على هذه الأسئلة وغيرها يتلخص في ثلاث نقاط أساسية هي:

1 ـ تواصل الأجيال.

2 ـ الاقتداء والتأسي.

3 ـ محاسبة النفس.

النقطة الأولى : تواصل الأجيال.

إن تواصل الأجيال ضرورة ملحة لاستمرار حياة أي مجتمع يريد أن يبقى مترابطا متماسكا.

وعلى كل جيل أن يمتن الروابط والعلاقات بالجيل السابق وعلى أبناء الجيل الحاضر أن يعرفوا أن لمن سبقوهم الفضل والجميل على كل ما وجدوه مهيأ ومعبدا فيشكروهم ويعترفوا لهم بذلك ، وأن يدرسوا عنهم كل دقيقة وجليلة في كل مجالات الحياة وأن يبنوا مستقبلهم سائرين على دربهم المنير مضيفين أمجادا أخرى على ما مضى متمثلين بقول الشاعر الحكيم :

لسنا وإن أحسابنا كرمت                يوما على الأحسـاب نتكـل

نبني كما كانت أوائلنــا               تبني ونفعل مثلما  فعلـــوا

ومعتبرين بحكمة الشاعر القائل :

وخير الناس ذو حسب قديم              أقام لنفسه  حسبا جديــدا

وإني أربأ بكم يا أبناء الجيل الحاضر أن تزوروا عن أحسابكم وأمجادكم فهي والحمد لله كريمة. وإن أوائلكم كانوا عظماء فهم سلاسل ذهبية معروفة الجذور طيبة الأصول كالشجرة الطيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها .

النقطة الثانية : الاقتداء والتأسي.

قال تعالى : ( لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ) 111 يوسف.

وقال تعالى في سورة الأنعام   لما ذكر لنا ثمانية عشر نبيا : ( أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده)90 الأنعام.

إن الغرض الأسمى من عرض سير المشايخ والعلماء وتاريخ أسلافنا الكرام هو التأسي والادكار.

إن أمة لا تعرف تاريخها معرفة صحيحة أمة ضعيفة.

وإن شبابا لا يدرون عن مؤلفات أسلافهم إلا النزر اليسير شباب يخشى عليهم من الضياع .

وإن مثقفين لا يستثمرون أوقاتهم وطاقاتهم في البحث عن مآثر وسير من سبقوهم شباب انعزاليون.

وإن مجتمعا لا يعد الخلائف للسلف ولا يكلف بعض الشباب ببعض المهام ولا يدربهم على تحمل بعض المسؤوليات ولا يستثمر في النبغاء والنجباء مجتمع يخاف عليه من الانقراض.

ولكي تتوطد العلاقات بين السابقين واللاحقين ويهتموا بسير الأجداد ويعتزوا بهم علينا أن ندرس لأولادنا في جميع المستويات والأطوار تاريخنا المجيد بأسلوب مبسط جذاب حتى يحفظوه.

وعلينا أيها الإخوة جميعا وعلى كل من يحفظ شيئا من تاريخ أوائلنا وعلمائنا ومجاهدينا الذين قد التحقوا بالرفيق الأعلى أن يملي ذلك على أولادنا وشبابنا حتى لا تضيع الأمانة وتندرس الحقائق وتبلى الوثائق .

سارعوا أيها الشباب الصالح إلى مجالسة كل عالم أو شيخ أو مؤلف أو خبير في أي تخصص كان وخذوا الحكمة من أفواههم وسجلوا التاريخ والوقائع بالوسائل السمعية والبصرية الحديثة قبل فوات الأوان و قبل أن يأتيهم الأجل فيحملوا معهم ميراثا غاليا وكنزا ثمينا فتكونوا من المقصرين في حقهم وتندموا حيث لا ينفع الندم فكونوا خير خلف لخير سلف بالاعتراف بالجميل للآباء والأجداد الصالحين.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

 

الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين .

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.

أما بعد فيا أيها الإخوة المؤمنون :

ومع النقطة الثالثة والأخيرة وهي محاسبة النفس.

لنحاسب أنفسنا أيها الإخوة الكرام أفرادا وجماعات ولنقل بصدق ماذا فعلنا نحن إزاء من سبقونا بالإيمان. فأولئك علماؤنا ومشايخنا وآباؤنا وأجدادنا قد قدموا النفس والنفيس وجاهدوا في الله حق جهاده بالمال والعلم والروح فما ضعفوا وما استكانوا بل صبروا وصابروا ورابطوا وصمدوا ولم يرتابوا ولم يترددوا وواصلوا كفاحهم حتى أتاهم اليقين وهم ثابتون على دينهم ومذهبهم ومبادئهم.

فهل حافظنا على تراثهم ونشرناه أم لا زال حبيس الرفوف والخزائن ؟ وهل ساهمنا في إبرازه وعظا وخطبا وتعليما وندوات ومعارض وملتقيات ؟ فعلى كل من يملك مخطوطات قديمة أو وثائق نادرة عن مآثر المذهب الإباضي أو تاريخ وادي ميزاب أو أمجاد الجزائر أن لا يبخل بتسليمها إلى المهتمين والباحثين لتصويرها وتخزينها وطبعها ونشرها خدمة للتراث ووفاء للسلف الصالح في حفظ الأمانة.

وهل نحن على دربهم سائرون وعلى العهد باقون وعلى المذهب ثابتون؟

  يا شبابنا الصالح ويا أبناءنا الأعزاء :

لقد كان الشيخ اطفيش قطب الأئمة مثالا يقتدى به في تمسكه بمبادئه ويعتبر من العلماء المتفتحين على المذاهب الإسلامية معرفة ودراية مع اعتزازه بمذهبه الإباضي اعتقادا وتطبيقا وما عاب عليه أحد في ذلك أبدا، فكل حر وما اقتنع من مشايخه الأولين فكان الشيخ بين العلماء مهاب الجناب معززا مكرما أينما حل وارتحل...

فما بال أقوام لا يعتزون بمذهبهم الإباضي فيغيرون ويتغيرون بكل سهولة ويجهلون العلماء السابقين ويبثون البلبلة في أفكار الناس...احذروا يا أبناءنا ممن يشككونكم في مذهبكم وعقيدتكم وعباداتكم واثبتوا على ما تعلمتم من مشايخكم وما داوم عليه آباؤكم وأجدادكم من السلف الصالح قرونا عديدة من لدن إمام المذهب جابر بن زيد المشهود له بالتقوى والصلاح والوثوق وسعة العلم ، فطريق المذهب واضح المعالم صحيح السند متين البنيان خال من البدع والخرافات سليم من الغلو والتطرف فسييروا عليه آمنين مطمئنين...                                         واعتزوا يا شبابنا بدينكم وأصالتكم ووطنيتكم وحافظوا على مقدساتكم من هيئات عرفية وأنظمة رائدة ومؤسسات خيرية واحترموا مسيريها والقائمين عليها وانفوا الشبهات عنها واعلموا أنكم الخلائف المنتظرة فلا تستبقوا الأحداث ولا تتعجلوا الأمور ولا تصطنعوا فجوة بينكم وبين من سبقوكم من الكبار فالميدان هو محك الرجال ومصنع الأبطال .

وكأني بلسان حال مشايخنا يقول :

تلك آثارنا تدل علينا      فانظروا بعدنا إلى الآثار

ولنقل لهم من باب الوفاء :

نبني كما كانت أوائلنا      تبني ونفعل مثل ما فعلوا

هذه هي العبر التي نأخذها من مثل هذه الملتقيات صغتها لكم في هذه الرسائل الواضحة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.

فاللهم ارحم مشايخنا وعلماءنا وآباءنا وأجدادنا وجازهم على ما ربونا وعلمونا جنة وحريرا .اللهم احفظنا  و احفظ شبابنا وأولادنا من الزيغ والضلال واجعلهم بررة مهتدين. اللهم اعصمنا وإياهم من الشك والارتياب وثبتنا على نهجك القويم ودرب الصالحين.اللهم أصلح ذات بيننا وألف بين قلوبنا واهدنا سبل السلام.اللهم وحد صفوفنا فيما بيننا واجمع كلمتنا ، اللهم اجعل ثأرنا على من ظلمنا وانصرنا على من عادانا.

اللهم أصلح ولاة أمورنا ومسؤولينا ووفقهم لما فيه صلاح البلاد والعباد يا أرحم الراحمين.اللهم انصر الإسلام والمسلمين في كل مكان ودمر اليهود وأعداء الدين يا قوي يا عزيز .

وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

غرداية يوم الجمعة 28 محرم 1436هـ / 21 نوفمبر 2014م.

أ. كركاشة إبراهيم بن عمر.

 

ربورتاج حول الملتقى الدولي الثاني الشيخ اطفيش (قطب الأئمة) 

إضافة تعليق