أنت الآن هنا: الصفحة الرئيسة - أحداث ومحطات - فتنة غرداية ديسمبر 2013 - غرداية ـ أثينا

أحداث ومحطات

الخميس 13 أوت 2015

غرداية ـ أثينا

سهيل الخالدي

غرداية - أثينا (الجزء الأول)

كل الذين كتبوا عن مشاكل غرداية قالوا إنها لا تتعلق بقضايا خلاف ديني بين الإباضية والمالكية، وكذلك أنها لا تتعلق بقضايا خلاف عرقي بين بربر وعرب، وكان الساسة عندنا قد قالوا منذ بدأت أحداث غرداية قبل عامين إنها ليست من فعل خارجي، وفي الأيام الأخيرة عدلوا عن مقولتهم هذه... وعلى ذلك فالسؤال الحقيقي: لماذا غرداية بالذات؟

الدولة الجزائرية مستهدفة لسببين:

1- إنها الدولة العربية الوحيدة التي قامت في القرن العشرين بإرادة شعبها وكفاحه وهو الذي وضع مواصفاتها "إقامة دولة اجتماعية في إطار المبادئ الإسلامية". ونقول الوحيدة لأن الدول العربية في المشرق أقيمت ضمن اتفاقية سايكس بيكو ولم تكن الشعوب العربية تريد ذلك بل كانت إرادتها إقامة دولة الوحدة العربية، وأما في المغرب العربي فإنه تمّ استيعاب الحركة الاستقلالية في إطار خطط فرنسا في الجزائر. 

2إن الجيش الوطني الشعبي الجزائري مستهدَف لأنه الجيش العربي الوحيد الذي أقامه الشعب الجزائري بماله ودمه ومساعدة من الشعب العربي، بينما الجيوش العربية الأخرى أسسها الاستعمار البريطاني والفرنسي، وعلى ذلك فإن جيش التحرير الوطني هو الجيش العربي على مرّ التاريخ الذي غنى له الشعراء في الفترة 1954  - 1962.

ADVERTISEMENT

وهذان سببان كافيان بالنسبة إلى دول الغرب الاستعماري للسعي إلى تفتيت الدولة الجزائرية وإضعاف الجيش الجزائري وأقرب وسيلة  إلى ذلك هو إغراقهما في العديد من المشاكل الداخلية.. وهو ما نراه منذ عام 1962 حيث كانت القوى الفرانكوفونية ودفعة لاكوست وراء الغالبية العظمى من المشكلات التي يشاهدها المجتمع الجزائري اجتماعية واقتصادية وسياسية وإدارية، وهنا نضيف إلى عدم تشجيع الإنتاج الفلسفي، تردي الثقافة السياسية، فحتى اللحظة لم تقدم هذه التي نسميها طبقة سياسية أي مشروع وطني نابع من المجتمع يستوعب مكوّناته وثقافته وتاريخه وحاضره ويستشرف مستقبله من دون أن يعادي هذا الطرف أو ذاك؛ فمن هو السياسي فردا أو حزبا من له تصوّر عما سيكون عليه الجزائري عام 2100 مثلا؟ لذلك فصراعات أحزابنا صراعاتٌ رديئة مثل صراعات صغار الموظفين على المناصب الإدارية. 

 ولأن الإدارة الفرنكفونية أفرغت الدولة من محتواها الثقافي وعقلها السياسي وحولت فكرة الأمن القومي من قضية استراتيجية أمة إلى مهمة شرطية، اعتقدت دول الغرب في تسعينيات القرن العشرين أنه آن الأوان للانقضاض على الدولة الجزائرية فاستعملت لذلك التيار الإسلامي وفي نفس الوقت استعملته في تخويف الشعب والدولة. ولعلي كنت من أوائل الكتّاب الذين حذروا من ذلك.

والأزمة في أوجها، بل إن كثيراً من الصحافيين الجزائريين قد غادروا الوطن نتيجة التخويف. لكن أصحاب تلك المؤامرة على الجزائر وأدواتهم المحلية فوجئوا بأن الشعب الجزائري، كان أكثر وعيا من الإدارة ومن الساسة ووقف مع جيشه الوطني الشعبي.. لكن الذي حدث ـ خاصة بعد2011 ـ هو أن شعار الإسلام والدولة الإسلامية انتقلت به الدول الكبرى وبمساعدة غير منكورة من تلك الدول التي لم تؤسسها شعوبها، إلى تلك الدول وركبت به الحراك الاجتماعي العربي، وهاهو العراق وسوريا واليمن ومصر وليبيا وتونس في معاناة جد شديدة.

هل سأل أحدكم: وما دخل ذلك في غرداية؟

إذن تابعوا الحلقة الثانية.

المصدر : جريدة الشروق

 

غرداية - أثينا (الجزء الثاني)

 

من الواضح أن ما سمي الربيع العربي وقبله احتلال العراق وقبلهما التخلي عن تنفيذ اتفاقيات أوسلو مع الفلسطينيين.. لم تنجح في حماية المصالح الاستعمارية للدول الكبرى، رغم المجازر والكوارث التي حدثت ولا تزال تحدث في كل البلدان العربية، بل إن هناك نتيجة عكسية، فقد انتشر الإسلام والعربية في دول الغرب سواء أوروبيا أم أمريكيا، وحدث تسلل غير متوقع، ولم يبحثه أحد بجدية حتى هذه اللحظة، وهو انضمام العرب المسلمين المولودين في الغرب الذين تعلموا في مدارسه وتربوا في مجتمعاته إلى هذه الحركات المتشددة في البلدان العربية، وهو ما يعني:

1- أن الدول الأوروبية بفكرها الاستعماري عليها أن تعترف إما بفشلها في استيعاب الآخر وبالتالي في تطبيق الديموقراطية، وإما بأنها تربي في مدارسها ومجتمعاتها نوعا من الوحوش.

2- أن هؤلاء الأوروبيين المسلمين المضطهدين في البلاد التي هاجر إليها آباؤهم وأجدادهم رأوا أن الفرصة واتتهم لتغيير الوضع في بلدان آبائهم الأصلية التي تعتاش على ثرواتها بلدان هجرتهم، فيمسكون الثور من قرنيه بعد أن يرهقوه بالسهام.

وهكذا نحن الآن في وسط مشهد كاريكاتيري، فمن هو الذي يستطيع أن يؤكد هل دول الغرب مع الإسلام أم ضده؟ هل هي مع أم  ضد داعش أو طالبان أو الاخوان أو مع الشيعة أو السنة أو مع إيران أو إسرائيل أو السعودية أو مع الأسد أو مع معارضيه؟ لا أحد يستطيع أن يؤكد أو ينفي لأن الغرب الاستعماري هنا لا يتلاعب بالأطراف، بل هو تائه بين الأطراف.. فالإسلام يزداد في داره والمتوحشون تربوا في حجره.. فهل أكثر من ذلك تيهٌ وفشل؟

وسط هذا الفشل في جعل الاسلام، خاصة في بلاد العرب، هو العدو الأكبر بعد الشيوعية التي كانت العدو زمن الحرب الباردة حتى سقطت. جاءت الغرب وفكره الاستعماري نخزة قوية من داخله الجغرافي. فاليونان وضعت الاقتصاد الأوروبي وعملته اليورو وكذا هيكله السياسي الاتحاد الأوروبي على طريق ليس في نهايته المرئية سوى نفق، أي إن هناك في الأفق تحالف صدفة مصلحيا بين حضارتين قديمتين تخشاهما أوروبا، هما حضارة اليونان وحضارة المسلمين، فماذا لو تطورت هذه الصدفة إلى مصلحة وربما سياسة وتغيّر مركز ما يسمى بالمتوسطية من فرنسا إلى اليونان؟ وماذا لو وجدت أثينا في ذلك دعما من الأطراف ومنها تركيا والجزائر؟

 وهنا تبرز غرداية، فضرب الجزائر بالسلاح لم يعد مطروحاً، بل المطلوب تدميرها اقتصاديا، وغرداية تعني هنا أمرين:

1- التجارة الداخلية، فأهلنا في وادي ميزاب كما يعلم كل جزائري لهم اليد الطولى في التجارة الداخلية ومن  خلالها التجارة الخارجية. وضرب غرداية يعني إضرارا كبيرا بالاقتصاد الجزائري وباستقرار المجتمع الجزائري.

2- الموقع الجغرافي، فإذا فشلت حكاية تيڤنتورين ومركّبها الغازي في إحداث شرخ سياسي بين جنوب الجزائر وشمالها رغم أنه فصلٌ يخطط له منذ خمسة عقود، فإن ضرب غرداية يعني إحداث شرخ ثقافي اجتماعي اقتصادي؛ فغرداية بوابة الجنوب وملتقاه التجاري والثقافي منذ آلاف السنين.

إذن فضرب غرداية يعني ضرب العمق الجزائري ومصادرة مستقبل الجزائر، ومنع أثينا من أن تكون مركز الفكرة المتوسطية الحضارية غير الاستعمارية التي تلوح بالأفق.

 ماذا يعني ذلك؟

 1- إنه يعني أن على الاستراتيجيين الجزائريين أن يخلصونا أولا وقبل كل شيء من هذه الإدارة الفرانكوفونية الرجعية المتخلفة  وسلوك الإمّعات الذي تسلكه، فالدولة الجزائرية اليوم لديها من الكفاءات الوطنية وغير الفرنكوفونية والأكثر وعيا وفهما لوطنها وإقليمها والعالم حولها ما يجعلها في غير حاجة إلى هؤلاء الفرانكوفون وفكرهم المتخلف.

2- إنه يعني أن على الاستراتيجيين الجزائريين الدراسة الأعمق لمكونات الشعب الجزائري وعلاقتها ببعضها وبالحضارة والمدنية وبالإسلام وبالديموقراطية والعلمانية، فهذا الخطاب التافه السائد في إعلامنا الذي يخوّن طرفا ويكفّر آخر ويتغزل بثالث، هو خطاب لا يحمي دولة ولا يصنع مشروعا وطنيا.

3- إن على الاستراتيجيين الجزائريين أن يدرسوا ببالغ العناية  تغير العالم رغم خطاب الدول الكبرى الموحي بأنها مسيطرة على  هذا التغيير ومتحكمة فيه، فواقع الحال أن العالم يتغير في العمق بدءا بمجتمعات هذه الدول الكبرى وقبضة الفئات الاستعمارية الحاكمة تتراخى سواء في واشنطن أم لندن وخاصة باريس؛ كما في الرياض وبكين وسنغافورة، وأن الجزائر ليست نبتا شيطانيا  وليست جزيرة منعزلة لا تؤثر ولا تتأثر.

المصدر : جريدة الشروق

 

 

إضافة تعليق