أعتقد أنه لا يوجد إباضي بطّال أو معوز "> أعتقد أنه لا يوجد إباضي بطّال أو معوز "/>

أنت الآن هنا: الصفحة الرئيسة - وسائط إعلامية - مقالات مكتوبة - حوار لجريدة الخبر مع د. مسعود مزهودي حول المذهب الإباضي

مقالات مكتوبة

السبت 23 جانفي 2010

حوار لجريدة الخبر مع د. مسعود مزهودي حول المذهب الإباضي

د.مسعود مزهودي

كثيرا ما نرفع شعار “حوار الحضارات والثقافات”، ونرفض أن يكون هذا الحوار داخل الحضارة والثقافة الواحدة؛ فنحن نجهل الكثير عن أقرب الناس إلينا، والذين نختلف معهم في بعض التفاصيل. هذا ما دفعنا إلى محاورة الباحث المتخصص في تاريخ المذهب الإباضي، الأستاذ الدكتور مسعود مزهودي، رئيس قسم التاريخ بجامعة باتنة، والذي سبق له أن قام بإنجاز مذكرتي الماجستير والدكتوراه حول موضوع الإباضية.

كيف جاء اهتمامك بالمذهب الإباضي، على الرغم من كونك سنيّا مالكيا؟

يعود اهتمامي بالتاريخ الإباضي إلى مرحلة الليسانس؛ حيث تبين لي أن هذا التاريخ يحتاج إلى نفض الغبار عنه والمساهمة رفقة إخواني في تسليط الضوء عليه، خاصة وإن إخواني الإباضية يملكون تراثا فكريا وفقهيا تمتلئ به خزائن المخطوطات في وادي ميزاب وورقلة وجزيرة جربة بتونس وجبل نفوسة في ليبيا وسلطنة عمان. أضف إلى ذلك أن أتباع المذهب يعيشون بيننا، ومن حقي وواجبي أن أعرف وأدرس تاريخهم وتراثهم الفكري، فتاريخهم هو تاريخنا. أليست الدولة الرستمية أول كيان سياسي مستقل على أرضنا الحبيبة، والتي نعتز جميعا بما وصلته هذه الدولة من تطور وتحضّر علم به الداني والقاصي. أما كوني مالكيا، فهذا لا يمنعني من الاستفادة من تراث المذاهب الأخرى، فنحن دائما نقول الاختلاف رحمة. ولذلك، فإنني لا أحرم نفسي من هذه الرحمة. وأدى جهل الكثيرين للمذهب الإباضي إلى درجة اعتبارهم مخالفين وبعيدين عن السنة، وغير ذلك من التهم الباطلة التي ألصقت بهم. وأنا شخصيا أرى بأن المذهب الإباضي هو المذهب الخامس، لأن الخلاف هو في الفروع وليس في الأصول. وهذه الخلافات موجودة حتى بين علماء وفقهاء المذهب الواحد.

تاريخيا، كيف ظهر هذا المذهب؟

سياسيا، ينسب المذهب الإباضي إلى “عبد الله بن إباض المرّي التميمي” الذي عاصر الخليفة الأموي “عبد الملك بن مروان” (65 ـ85 هـ). ودينيا، يذكر الإباضية أن إمامهم الأول الذي أسس المذهب هو “جابر بن زيد الأزدي العماني”. ولذلك، فإن أغلب الأحاديث النبوية يرويها علماء المذهب عن “جابر”. وأما عن ظهور الإباضية، فيرجع إلى الخلاف الذي حدث بين “عبد الله بن أباض” والخوارج في مسألة الخروج، حيث فضل “عبد الله” القعود عن الخروج للجهاد ضد بني أمية، فعرف الخارجون باسم الخوارج والقاعدون بالقعدة. ثم سرعان ما أصبحت للإباضية بعض الآراء التي تميزهم مطلقا عن فرق الخوارج، كنظرتهم لمخالفيهم وغيرها من الآراء التي لا يتسع المقام لذكرها.

باعتبارك متخصصا في تاريخ المذهب الإباضي، ما هي أوجه الاتفاق والاختلاف بين المالكية والإباضية؟

بصفة عامة، الاختلاف بين الإباضية وغيرهم ليس في الأصول ولكن في بعض الفروع والجزئيات. ولا ينبغي أن تكون مثار خلاف ونزاع وجدال بين المسلمين، في وقت هم أحوج فيه إلى الوحدة والاجتماع والبعد عن الفرقة. من أوجه الخلاف، مثلا، عدم رفع الأيدي في الصلاة، بل إن منهم من كرهه لاعتباره من الحركات المنافية للخشوع في الصلاة. أضف إلى ذلك بعض الآراء المتعلقة بمسألة خلق القرآن، رؤية الله يوم القيامة، المواريث. وغيرها من القضايا الخلافية البسيطة.

من أبرز الكتب المرجعية عند الإباضية “مسند الربيع بن حبيب”، هلا حدّثتنا عنه؟

“الربيع بن حبيب الفراهيدي” هو أحد علماء الإباضية البارزين، ولد في منطقة الباطنة في عمان في النصف الثاني من القرن الأول الهجري ما بين سنتي(75 ـ 80 هـ). نشأ في عمان وبها أمضى طفولته، ثم سافر إلى البصرة التي كانت تغصّ بالعلماء في ذلك الحين، وبها أخذ علوم التفسير والحديث والفقه وبرع فيها حتى صار من العلماء المعدودين في البصرة، وبذلك استحق أن يخلف شيخه “أبا عبيدة” في رئاسة الدعوة الإباضية في البصرة.

من آثار الإمام “الربيع” مجموعة من الأقوال والفتاوى والفقه متناثرة في كتب الإباضية، ومن آثاره المجموعة كتاب “آثار الربيع” الذي رواه عن شيخه “ضمام بن السائب” عن “جابر بن زيد” مقطوعا، وهو عبارة عن مجموعة فتاوى للإمام “جابر بن زيد”، وقد قام بجمعها “أبو صفرة عبد الملك بن صفرة”. ومن أهم آثاره كتاب “المسند”، ويطلق عليه الإباضية “الجامع الصحيح”، وهو مطبوع ومتداول. يرى الإباضية أن مسند “الربيع بن حبيب” من أصح كتب الحديث سندا، لأن معظم الأحاديث رواها الإمام “الربيع” عن شيخه “أبو عبيدة مسلم بن أبي كريمة” عن “جابر بن زيد” عن أحد الصحابة، وقد وردت في المسند بعض الأحاديث التي رواها “أبو عبيدة مسلم بن أبي كريمة” عن آخرين غير “جابر”، إلا أنها قليلة.

ولم يُعرف الإمام “الربيع” بين المحدثين من أهل السّنة ولم يعرف كتابه ضمن كتب الحديث، رغم أنه من أوائل كتب الحديث التي صُنّفت. توفي الإمام “الربيع بن حبيب بن عمرو الأزدي” ما بين سنة 171 و180 هـ ودفن في عمان.

المذهب الإباضي ينتشر في أماكن محدودة؛ وادي ميزاب بالجزائر، جبل نفوسة بليبيا، سلطنة عمان.. ما هي أسباب هذا التشتت؟

صحيح أن تواجد المذهب الإباضي ظل في مناطق محدودة في وادي ميزاب وجبل نفوسة وسلطنة عمان وجزيرة جربة بتونس، عكس ما كان عليه الوضع في العصر الإسلامي الوسيط، إذ كان يمتد النفوذ الإباضي من تلمسان غربا إلى طرابلس شرقا ومن تاهرت (تيارت) شمالا إلى غاية وارجلان (ورقلة) جنوبا. ونلحظ التواجد الإباضي في منطقة الأوراس التي أنجبت “هود بن محكّم الهواري”، ومدن بلاد الجريد بتونس (الحامة، نفطة، توزر، قفصة، قسطيلية.. وغيرها). وإذا أردنا أن نحلل أسباب هذا الانكماش، نعتقد أن مردّ ذلك يرجع إلى أن الإباضية الآن يعيشون في ظل إمامة الكتمان وعدم توفر الظروف لإعلان إمامة الظهور، وبالتالي فهدف الإباضية هو الحفاظ على استمرارية المذهب بين الأتباع. أما نشره، فليس من الأولويات، في حين أنه في العصر الوسيط كان المذهب منتشرا في سجلماسة وأودغشت وبعض المدن السودانية وفق مصطلح العصر الوسيط، أي مالي والنيجر وغانا، وليس المقصود السودان اليوم. كما كان المذهب منتشرا في الأندلس، على الرغم من شح المعلومات. وعلى الرغم من ذلك وكما أخبرنا أحد الشيوخ أثناء زيارتنا إلى سلطنة عمان، فإن المذهب بدأ يظهر من جديد في اليمن. والمعروف تاريخيا أن الإباضية كانوا متواجدين بقوة أيام “أبي حمزة الشاري”.

تعدّ الدولة الرستمية (الجزائرية ) أول دولة إباضية في التاريخ، ما هي دواعي اختيار منطقة وادي ميزاب كملجإ بعد سقوط تيهرت أو تاهرت (عاصمة الدولة الرستمية)؟

فعلا، تعد الدولة الرستمية ثمرة محاولات عديدة قام بها الإباضية لإنشاء إمامة الظهور، سواء في المشرق أو في المغرب. وظلت عاصمتها تاهرت من أشهر عواصم العصر الوسيط، خاصة وأنها كانت مركزا مهما من مراكز الثقافة في بلاد المغرب الإسلامي، لا تختلف عن القيروان وفاس وبقية الحواضر العلمية الأخرى. أما عن دواعي اختيار منطقة وادي ميزاب كملجإ بعد سقوط تاهرت سنة 296 هـ، فيجب أن نشير في البداية أن المحطة الأولى التي شهدت تدفقا لأتباع المذهب بعد استيلاء الشيعة على تاهرت كانت وارجلان وسدراتة (ورقلة)، إذ تذكر المصادر التاريخية أن “يعقوب بن أفلح بن عبد الوهاب” خرج مع أهله وجمع غفير من التاهرتيين متجهين إلى وارجلان وسدراتة خوفا من البطش الشيعي. ويبدو أن رفقاء “يعقوب” كانوا كثيرين، حتى أنه يذكر أنه ولد لهم في الطريق في ليلة من الليالي سبعون ذكرا وفق رواية “الشماخي” فى سيره. وقد استقبل “يعقوب بن أفلح” استقبالا حارا من قبل الشيخ “أبي صالح جنون بن يمريان” متولي أمور وارجلان وأهل مدينته، وطلبوا منه إحياء الإمامة إلا أنه رفض قائلا: “لا يستتر الجمل بالغنم”، معبرا عن الضعف الذي حل بهم. وبذلك، فضل “يعقوب” إمامة الكتمان على إمامة الظهور. وظل الإخوان على هذه الحال إلى أن ظهر نظام الحلقة والعزّابة على يد “أبي عبد الله محمد بن أبي بكر النفوسي”.

أما عن انتقال الإباضية إلى منطقة وادي مزاب، فكان بسبب كثرة الفتن والقلاقل فى سدراتة ووارجلان. ورغم صعوبة المنطقة وعدم صلاحيتها للزراعة، إلا أن الإباضية اختاروها ملجأ لهم بعد عمليات التشريد التي تعرضوا لها طوال حياتهم. ولعل طبيعتها تلك هي التي جعلتهم يفضلونها على غيرها حتى لا يزاحمهم العرب أو البربر، فيحيون حياة تطبّق فيها القوانين والأحكام الإباضية حتى لا يتعرضوا لمثل ما تعرضوا له في سدراتة ووارجلان. ويبدو أن انتقال الإباضية إلى منطقة وادي ميزاب تم مع بداية القرن الخامس الهجري، ذلك أنهم أسسوا مدينتهم الأولى التي عرفت باسم العطف، سنة 402 هـ، وسميت بهذا الاسم لانعطافها جانب الوادي. أما المدينة الثانية فهي مليكة، سنة 408 هـ، والمدينة الثالثة التي أسسوها هي غارداية سنة 442 هـ. ثم توالى تأسيس المدن الأخرى تباعا.

عديد الدول الإسلامية التي ظهرت في بلاد المغرب أسست من طرف مشارقه وفرس. كيف تفسّر ذلك؟ صحيح أن أغلب الدول المستقلة عن الدولة العباسية التي ظهرت في بلاد المغرب أسسها أفراد لا ينتمون إلى هذه المنطقة. فمثلا، تولى إمامة الدولة المدرارية سنة 140 هـ “عيسى الأسود”، وهو من السودان، والدولة الإدريسية أسسها “إدريس الأول” سنة 170 هـ، وهو عربي فرّ من المشرق بعد الاضطهاد الذي تعرض له آل البيت هناك. والدولة الرستمية أسسها “عبد الرحمن بن رستم” الفارسي سنة 160 هـ، وهو من الفرس. تفسير ذلك في رأيي، بالنسبة للدولة الرستمية أن الإباضية اختاروا “عبد الرحمن” لجملة من الأسباب، أولها أن له سابقة في الدين، فهو أحد حملة العلم الخمسة الذين كان لهم باع طويل في نشر المذهب في هذه الربوع، والذي تكوّن تكوينا سياسيا وعلميا وفقهيا على يد أحد أشهر علماء المذهب في البصرة، ألا وهو الإمام “أبو عبيدة مسلم بن أبي كريمة”. ثانيا، أن الإباضية لا يشترطون أن يكون الإمام عربي الأصل، المهم بالنسبة إليهم أن تتوفر في الشخص شروط الإمامة المعروفة (الإسلام، الحرية، العقل، سلامة الحواس والأعضاء، الكفاءة، العلم، الذكورة….) عدا شرط النسب القرشي.

ثالثا، وهو أن اختيار “عبد الرحمن” جاء نتيجة لعدم وجود قبيلة يشرف بها ولا عشيرة له تحميه، وبالتالي يسهل عزله إذا حاد عن الطريق المستقيم والحق.

في السنوات القليلة الماضية، قدّم أعيان وادي مزاب احتجاجا رسميا لدى وزارة التربية لاحتواء الكتب المدرسية على معلومات تربط بين الإباضية والخوارج. كمؤرخ، هل هناك علاقة بين المذهبين؟

في الحقيقة، وبكل موضوعية وإنصافا للحق، نقول إن تاريخنا الإسلامي فيه العديد من المغالطات التاريخية يجب تصحيحها. كما يجب إعادة قراءة التاريخ الإسلامي قراءة جديدة، بعيدا عن التعصب المذهبي الذي ساد ذلك الزمن بعد أن انقسم المسلمون إلى أحزاب وشيع متناحرة. فمن حق الإباضية أن لا ينسبوا مذهبهم إلى مذاهب الخوارج لسبب بسيط، وهو إذا رحنا نحدد مفهوما لمصطلح الخوارج، فإننا نجد ثلاثة مفاهيم لا أكثر، أولها: أن هذا اللفظ يطلق على كل خارج على سلطة شرعية، وتاريخيا، ليس الإباضية وحدهم من خرج على سلطة شرعية. ومن المفروض منطقيا أن هذه التسمية تطلق على كل جماعة حاربت إماما اختير بحرية وبُويع البيعة الخاصة والعامة. وفى تاريخنا الإسلامي، هناك العديد من الخارجين لم تطلق عليهم هذه التسمية. ثانيها: إذا كان المقصود بالخروج هو الخروج عن الدين، فلا أعتقد أن إخواننا الإباضية ممن يطلق عليهم هذا الوصف، بل بالعكس وبحكم اتصالي بهم، فهم أكثر الناس تمسكا بالدين، على الرغم من بعض الاختلافات الجزئية البسيطة مع بقية المذاهب، بل يمتازون بالاعتدال وبأقرب الفرق إلى السنة. والدليل بقاء مذهبهم إلى يومنا هذا، في حين أن كل الفرق الخارجية الضالة التي تكفّر مخالفيها اندثرت ولا نسمع عنها إلا إذا عدنا إلى المصادر القديمة، كـ”الفرق بين الفرق” للبغدادي، و”مقالات الإسلاميين” للأشعري وغيرها. ثالثها: إذا كان مفهوم الخروج هو الخروج للجهاد في سبيل الله، فإن الشرع يحرّم الجهاد فيمن ينطق بالشهادتين، والإباضية لا ينظرون إلى مخالفيهم على أنهم غير مسلمين. إذن، بعد تحديد المفاهيم، يتضح جليّا أن الإباضية نُسبوا إلى الخوارج ظلما.

لأبناء وادي ميزاب نظام إجماعي واقتصادي وقضائي يختلف عن غيره من الأنظمة، ومن أهم ركائز هذا النظام مجلس العزّابة. هل من تفصيل حول هذا المجلس والأدوار التي يقوم بها؟

أولا، أود أن أشير إلى أن نظام العزّابة أنشئ كبديل عن إمام الظهور، ليتمكن مجلس العزّابة من تسيير شؤون المجتمع الإباضي. وكما قلت فيما سبق إن تعرّض الإباضية للعديد من النكبات جعلت شيوخهم يفكرون في إيجاد نظام جديد يسمح لهم بالحفاظ على ممارسة مذهبهم بكل حرية، ويقيهم شر الأعداء. فمجلس العزّابة هو الذي يشرف على المجتمع الإباضي إشرافا تاما، وفى مختلف شؤون الحياة، فهو الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر، وهو القاضي الذي ينصف المظلوم ويدافع عن حقه، وهو الذي يقوم بإصدار الأحكام في المشاكل التي تقع بين الناس. وقد تطور هذا النظام بتطور الحياة وأضاف إليه الشيوخ بعض الزيادات، حسب ما تقتضيه الأمور.

ويرجع الفضل في تأسيس هذا النظام إلى الشيخ “أبي عبد الله محمد بن بكر النفوسي”، فهو كما يقول “الدرجيني” في “الطبقات”: “أول من ألهم سلوك الطريقة التي حفظ الله بها هذا المذهب، فرسم المهمل وقيّد الشارد”. وقد حدد المشايخ شروط العضوية في مجلس العزّابة كحفظ القرآن الكريم، والسعي إلى طلب العلم، وعدم الإكثار في دخول الأسواق والقعود في الجماعات وغيرها من الشروط. يتكون هذا المجلس من إثني عشر عضوا، وقد يزيد العدد لتزايد المهام. وكل عضو أو مجموعة أعضاء لهم وظائف معينة هي: شيخ الحلقة (وهو أكبر المناصب في النظام)، إمام الصلاة، المؤذن، ثلاثة أعضاء يقرئون التلاميذ، أربعة أو خمسة أعضاء يغسلون الموتى، وكيلا المسجد، وقاضي البلد.

وخلاصة القول أن مجلس العزّابة استطاع تسيير المجتمع الإباضي بنجاح؛ حيث فرض طاعته على الناس لكسبه احترامهم، لما رأوه من استقامة الأعضاء ونزاهتهم وحفاظهم على دينهم، وقوتهم في النهي عن المنكر ومحاربة الزائغين عن الحق.

أتباع المذهب الإباضي يمارسون التجارة كنشاط اقتصادي مفضل، ما هي العوامل التي دفعتهم إلى التخصص في هذا النشاط؟

صحيح اشتهر الإباضية بممارسة التجارة وبطلب العلم كذلك، وهذه الميزة اكتسبوها عبر التاريخ، فأغلب أئمتهم في الدولة الرستمية كانوا يمارسون الحكم والتجارة في الوقت نفسه، كالإمام “أفلح بن عبد الوهاب” مثلا. أضف إلى ذلك العديد من العلماء الذين كانوا يسافرون إلى بلاد السودان للتجارة والدعوة. والمعروف أن التجارة مربحة وعوائدها المالية كبيرة، وبالتالي تساهم في تقوية عضد الإباضية وتمكـّنهم من حل مشاكلهم الفردية أو الجماعية. وأعتقد أنه لا يوجد إباضي بطال أو معوز، فالتكافل الاجتماعي قوي جدا بين الإخوان.

هناك من يقول بانغلاق المذهب الإباضي على نفسه، هل توجد دعوة لنشر الإباضية بغرض كسب أنصار جدد، مثل ما تقوم به أغلب المذاهب الدينية؟

المعروف تاريخيا أن الأقليات دائما تكون منغلقة على نفسها لكي تحافظ على خصوصيتها العرقية أو الدينية، والإخوان الإباضية لا يشذّون عن القاعدة، ولكن المشكل أننا لا نحاول أن نتقرب منهم لهاجس نفسي تراكم مع التاريخ. ولو سألت أي شخص مهما كان مستواه الثقافي هل تعرف شيئا عن الإباضية؟ لن يزيدك أكثر من بني ميزاب، لأن منظومتنا التربوية لا توضّح حقيقة هذا المذهب، على الرغم من أنه جزء من تاريخنا، وساهم في بناء حضارتنا، وأنشأ أول دولة على ترابنا. أما فيما يخصني كشخص، فلا أشعر بهذا الانغلاق، وتعاملت مع الإخوان في إطار البحث كثيرا، وصلّيت في مساجدهم ولدي علاقات جيدة جدا معهم، سواء في وادي ميزاب أو في ليبيا أو في سلطنة عمان.

أما بخصوص وجود دعوة لنشر الإباضية بغرض كسب أنصار جدد، فأعتقد وكما قلت سابقا أن الإخوان يعملون جاهدين للحفاظ على استمرارية المذهب بين أتباعه الحقيقيين الحاليين، أما العمل على نشره، فهذا ليس ضمن الأولويات في الوقت الحالي.

معهد الحياة بالقرارة (غرداية ) منارة من منارات العلم بالجنوب الجزائري في السنوات الأخيرة، لم نسمع شيئا عن نشاطه، هل انتهى دوره التربوي؟

حقيقة، معهد الحياة بالقرارة يعدّ معلما من معالم الفكر والثقافة، فمنه تخرّج العديد من الشيوخ والعلماء، وكان يفد إليه طلاب العلم من مختلف الأماكن، حتى من خارج الوطن. ولازال يلعب الدور المنوط به في صمت، ويواصل رسالته التي أنشئ من أجلها، لكن الغياب الذي تتحدث عنه هو غياب في الإعلام بمختلف أنواعه. وفي سنة 2009 تم تدشين المعهد الجديد وحضرته شخصيات دينية وعلمية من داخل وخارج الوطن، وما هذه التوسعة في الهيكل إلا دليل على أن نشاطه تضاعف، خاصة مع الجمعيات الثقافية التي تتعاون معه في تحقيق المخطوطات وفي إثراء مجلة المعهد.

مؤخرا، حدثت فتنة ببرّيان، هل للاختلاف المذهبي دور في وقوع المواجهة، وهل حدث ذلك في الماضي؟

المعروف أن الدين الإسلامي هو دين تسامح، دين يكفل حرية العبادة لمختلف أتباع الديانات الأخرى. وبحكم تخصصي في التاريخ الإسلامي، لم أقرأ يوما عن اضطهاد المسلمين للنصارى أو اليهود الذين كانوا يعيشون بينهم، اللّهم إلا بعض الواجبات التي أقرها الشرع تجاههم. والمحيّر فعلا أن المسلمين كمذاهب دينية لا يتسامحون بينهم. ولو قرأت كتاب “الصراع المذهبي في إفريقية” لـ”عبد العزيز المجدوب”، لرأيت العجب، لأنه ببساطة هناك فكرة متجذّرة في عقولنا وهي إلغاء الآخر، ونحن على حق وغيرنا على باطل. فنحن المسلمون لدينا مشكلة عويصة في التعامل مع الآخر. إن الفتنة التي تتحدث عنها شيء مؤسف جدا، والفتنة أشد من القتل، ولا شك أن للاختلاف المذهبي والاختلاف الاجتماعي دور في هذه الفتنة. نسأل الله أن ينتقم من مثيريها.

كيف ينظر المذهب الإباضي إلى الثقافة والفن؟

المذهب الإباضي كغيره من المذاهب الإسلامية ينظر إلى الثقافة والفن نظرة ترتقي بالإنسان إلى المعالي وفق مبادئ الشريعة السمحاء، فالثقافة والفن الهادف هو الذي يسمو بالإنسان إلى عالم المثل.

أطلقت في سنة 2007 موقعا إلكترونيا يضم العشرات من الكتب الإلكترونية. كيف جاءتك الفكرة، وماذا عن ردود أفعال جمهور الأنترنت؟

فعلا، أطلقت موقعا إلكترونيا يهتم بالأبحاث والدراسات التاريخية، موجها إلى طلبة أقسام التاريخ في الجامعات الجزائرية. والهدف من الموقع هو: أولا مسايرة العصر بفتح نافذة لي كأستاذ جامعي أطل من خلالها على العالم لأتواصل مع زملائي أساتذة أقسام التاريخ في العالم العربي، وفي الوقت نفسه لأشجع طلبتي على البحث بتوفير مكتبة تاريخية ستضم أكثر من ألف كتاب والعديد من المقالات والأبحاث، وثانيا لأبرز فيه نشاطاتي العلمية، وأنشر فيه مقالاتي وكتبي، فزكاة العلم تبليغه للناس، كما يقول فقهاء المالكية. والحمد لله، فزوار الموقع كثيرون، والمسجلون فيه من مختلف المدن الجزائرية والعربية أكثر. المشكل الذي أعاني منه هو عدم وجود مهندس كفء يتولى تطويره من حين لآخر.

حوار: نورالدين برقادي

المصدر : جريدة الخبر الأسبوعي

إضافة تعليق