أنت الآن هنا: الصفحة الرئيسة - وسائط إعلامية - مقالات مكتوبة - حقائق حول إباضيي الجزائر في غرداية

مقالات مكتوبة

السبت 29 مارس 2014

حقائق حول إباضيي الجزائر في غرداية

د. عثمان سعدي

تدور أقاويل حول المذهب الأباضي في الجزائر وأنا أقدم هذه المعلومات عن إباضيي الجزائر المعروفين ببني ميزاب

ثورة الأباضيين على ظلم الأمويين:

ولّدت سياسةُ خلفاء بني أمية المستبدة المنافية لتعاليم الإسلام الصحيحة ردود فعل نجم عنها نشوء تيارات وأحزاب، فقد كانوا لا يطبقون نظام الشورى الذي عمل به الخلفاء الراشدون، ولم يسوّوا بين الناس، وبذّروا خزينة الدولة والمال العام في الشهوات والإنفاق على الأتباع ؛ فنشأت في العراق أحزاب تنادي بتطبيق تعاليم الإسلام المؤسسة على المساواة والعدل، واتِّباع الشورى لاختيار الإمام، فظهرت الإباضية تنسب إلى الداعية عبد الله بن إباض المري التميمي. ومن أئمتها أبو الشعثاء جابر بن زيد الأزدي العُماني، الذي يعتبر المؤسس الفعلي للإباضية، وكان من أكبر علماء عصره بالشريعة والفقه، متبحرا في أصول الفقه، تتلمذ على العديد من الصحابة، فقال مفتخرا: ‘ أدركت سبعين رجلا من بدر، فحوينا ما عندهم من العلم إلا البحر الزاخر [ ويعني عبد الله بن عباس] .

مالك بن أنس يشيد بمؤسس المذهب الأباضي:

وكان ابن عباس يمتدح علم جابر بن زيد فيقول: ‘إسألوا جابر بن زيد، فلو سأله من بالمشرق والمغرب لوسعهم علما’. ولمّا توفي جابر عبر مالك بن أنس عن خسارة الإسلام بفقده فقال: ‘مات اليوم أعلم من في الأرض’. [ 1].

اضطهد الأمويون جابر بن زيد، ونفاه الحجاج بن يوسف إلى عُمان، لكنه عاد إلى البصرة وظل يعمل لإنشاء الجمهورية الإسلامية العادلة إلى أن توفي سنة 113 هـ. وخلفه تلميذه أبو عبيدة مسلم على إمامة الإباضية، فسجنه الحجاج مع بعض علماء الإباضية، ثم أفرج عنه في عهد سليمان بن عبد الملك، وعندما اقتنع بأن المشرق مسيطر عليه من الأمويين الذين لا يسمحون للمذهب بالانتشار فاختار أحد تلاميذه هو سلمة بن سعد بعثه إلى المغرب الذي كان يرى فيه أمل انتشار الإباضية. وما أن وصل ابن سعد لِسرت بليبيا حتى راح المذهب ينتشر بقوة بين القبائل البربرية التي كانت ساخطة على ولاة الأمويين والعباسيين. ولم تكن هذه الدولة بربرية بل مسلمة، فقد حوربت من بعض القبائل البربرية كقبيلة لواتة.

محاربة الأباضيين للخوارج المتطرفين:

أعلن قيام الدولة الرستمية الإباضية سنة 140 هـ، وبويع أبو الخطاب إماما في طرابلس وسيطرت الدولة على مساحة بالمغرب بين طرابلس والقيروان وفزان. وسعد الناس بعدلهم ونزاهتهم وحسن سلوكهم. اختار أبو الخطاب زميله في العلم عبد الرحمن بن رستم قاضيا في طرابلس. وعندما احتلت قبيلة ورفجومة الصفرية الخارجية المتطرفة القيروان وارتكبت بها المناكر بكى أبو الخطاب وهاجمهم بجيش سنة 141 هـ وهزمهم وشتت شملهم، وقتل قائد جيشهم الجعدي، وحرر القيروان من الصفريين، وامتد انتشار الإباضية حتى مدينة وهران.

في سنة 142 هـ وصل جيش العباسيين بقيادة أبو الأحوص العجلي، فاشتبك به أبو الخطاب في غمداس فهزم أبو الأحوص الذي عاد بفلول جيشه لمصر. وجمع أبو جعفر المنصور جيشا قويا وضع على رأسه محمد بن الأشعث الخزاعي عامل العباسيين بمصر وعينه واليا على المغرب. ولما شاهد قوة الجيش الأباضي استعمل الحيلة فتظاهر بالانسحاب نحو مصر، لكنه عاد وهاجم على غرة معسكر أبي الخطاب في تاورغا سنة 144 هـ فهزم الإباضية وقتل أبو الخطاب.

الدولة الرستمية:

وكان عبد الرحمن بن رستم متجها لنجدة أبي الخطاب وعندما علم باستشهاده، تراجع واتجه نحو المغرب الأوسط. وكون. الدولة الرستمية بتاهرت. تعتبر هذه الدولة التي أسسها الأباضيون أعظم دولة في تاريخ الجزائر. بنيت على العدل واتصف خلفاؤها بالنزاهة الراشدية، ودام حكمها قرنا ونصف قرن من 144 هـ وحتى 269 هـ .. وسيطرالأباضيون على المغرب العربي من طرابلس وحتى وهران.  أسسها دعاة عرب لكن بنيت على قبائل بربرية أمازيغية، لم تتعصب للبربرية بل ارتكزت على العروبة،

قام الأمويون بالأندلس بدعم الدولة الرستمية أمام أطماع الولاة العباسيين، فكونوا علاقات قوية

معها، ولم ينس أبناء عبد الرحمن الداخل أن الفضل في قيام دولتهم بقرطبة يعود إلى دعم البربر أخوال عبد الرحمن الداخل. الذين استقبلوه وهو الهارب من إبادة العباسيين، فعبّروه الزقاق إلى الأندلس ونصّبوه على قرطبة. فالعباسيون أعداء لقرطبة وأعداء لتاهرت، ولهذا فتحالفهما أمر طبيعي. ويرى دبوز أن قيام الدولة الرستمية مكّن دولة عبد الرحمن الداخل من الرسوخ، وأتاح له السبيل إلى الازدهار، كما أن الدولة الرستمية كانت الجسر الذي يصل دولة بني أمية في الأندلس بالمشرق الإسلامي العربي [2]

ويقول ليفي برفنسال: ‘أن الإمام أفلح تلقى من مملكة الأندلس الأموية معونة هامة من المال، قابلها الإمام بأن أرسل لقرطبة كمية هائلة من القمح، بل وتزويدها بجنود رستميين انخرطوا في الجيش الأموي، بحيث برز جنرال رستمي بين الجنرالات الأمويين وهو محمد بن رستم وهو من أحفاد عبد الرحمن بن رستم. بل إن المدعو عبد الرحمن وهو رستمي كان وزيرا لعبد الرحمن الثاني بقرطبة، ويبدو أنه أخ أو ابن للجنرال المذكور’ [3].

وانفتحت الموانئ الأندلسية والرستمية بعضها على بعض في تبادل تجاري بين وهران والمرية وتبادل الزيارات بين علماء الدولتين وأدبائها وتجارها.  وهذا يؤكد أن الدولة الأباضية لم تحارب الأمويين بالمشرق إلا لانحرافهم عن جادة الإسلام الصحيح فتحالفوا مع أمويي المغرب بالأندلس.

   واشتهر أباضيو الجزائر بعملهم لنشر اللغة العربية وبالرغم من أنهم بربر أمازيغ فقد كانوا يتعاملون مع العربية كلغتهم الوحيدة، وكانت البربرية عندهم مجرد لهجات دارجة شفوية. وقد برز

منهم شاعر كبير هو بكر بن حماد (أبو عبد الرحمن بن أبي إسماعيل الزناتي التاهرتي) ، ولد سنة 200هـ ، فتعلم أولا في تاهرت ، ثم سافر للقيروان فتتلمذ على سحنون بن سعد، ثم هاجر إلى بغداد، سنة 217 هـ ، فتتلمذ على علمائها، والتقى بشعرائها المشهورين من أمثال : أبي تمام، ودعبل الخزاعي، وعلي بن الجهم، ومسلم بن الوليد، وابن الأعرابي . واتصل بخلفاء الخلافة العباسية وبأئمة تاهرت، قال عنه ابن عذاري : “كان عالما بالحديث وتمييز الرجال وشاعرا مفلقا. علّم بحامع القيروان سنة 274 هـ ، تنقل إلى الأندلس وتتلمذ على يديه أدباؤها منهم قاسم البياتي. وبعد تطواف طويل عاد بكر إلى بلده تاهرت سنة 295 هـ ، وبعد أشهر أي في شوال 296 هـ توفي بقلعة بن حمة شمال تاهرت أي في نفس السنة التي سقطت فيها تاهرت ببن أيدي العبيديين الفاطميين”. ومن شعره قوله لما غادر العراق:

      ومؤنسة لي بالعراق تركتها            وغصن شبابي في الغصون نضير

      فقالت كما قال النواسي قبلها            عزيز علينا أن نراك تسيـــر

      فقلت جفاني يوسف بن محمد          فطال عليّ الليل وهو قصــير

      أبا حاتم ما كان ما كان بغضه        ولكن أتت بعد الأمور أمـــور

      فأكرهني قوم خشيت عقابهم          فداريتهم ، والدائرات تـــدور

   وأكرم عفو يؤثر الناس أمره             إذا ما عفا الإنسان وهو قدير

 

   وعندما هجا بكر الشاعر دعبل أشاد به أبو تمام فرد عليه بكر قائلا:

وعاتبني فيه حبيــب وقال لــي لسانك محذور وسمّك يقتـل

وإني وإن صرفت في الشعر منطقي لأنصف فيما قلت فيه وأعدل

ولبكر بن حماد قصيدة في مدح علي بن أبي طالب، منها:

قل لابن ملجم والأقدار غالبــة هدمت ويلك للإسلام أركانــا

قتلت أفضل من يمشي على قدم وأول الناس إسلاما وإيمانــا

وأعلم الناس بالقرآن ثم بمــا سنّ الرسول لنا شرعا وتبيانا

صهر النبي ومولاه وناصـره أضحت مناقبه نورا وبرهانـا

 

   وقد برزت نساء أباضيات مثقفات مثل أخت الإمام أفلح التي حذقت علم الحساب والفلك والتنجيم

   أشاد بتسامح الأباضيين الرستميين المذهبي المؤرخ ابن الصغير المالكي في كتابه (ذكر بعض الأخبار في الأئمة الرستميين). وهو مؤرخ مالكي المذهب .

   ومن علماء تاهرت المتسامحة مع المذاهب والأديان العالم التاهرتي اليهودي يهودا بن قريش التاهرتي، الذي كان عالما لغويا يجيد العربية والعبرية والبربرية والفارسية والآرامية كتب في علم اللغة المقارن بين العبرية والآرامية والعربية.  أما أبو سهل الفارسي فكان يتقن البربرية وشغل ترجمانا في بلاط افلح. وقد حرر كتبا دينية بالبربرية.

   وسقطت هذه الدولة الرستمية الأباضية على يد العبيديين الفاطميين الشيعة وقام عبد الله الشيعي بتدمير مؤسساتها وحرقوا سنة 296 هـ مكتبتها بتاهرت التي كانت تعتبر أعظم مكتبة عربية إسلامية بالمغرب العربي ، حوت ثلاثمائة ألف مجلد ، واضطر بعض الأباضيين إلى الهروب من بطش الفاطميين إلى وادي ميزات الأجدب القاحل في الصحراء حيث أسسوا مدينة غرداية والقرى التابعة لها، وحولوا هذا الوادي إلى فضاء خصب ببنائهم للسدود التي تحجز ماء الأمطار الاتي من الشمال. وكونوا اقتصادا معتمدا على الاكتفاء الذاتي. الآن سكان ولاية غرداية يشربون حليبا تدره أبقارهم، بينما يستهلك سكان القطر الجزائري الحليب المستورد من أوروبا.

يوم الشيخ بيوض

أقيم في شهر تموز (يوليو) 2008 بالمكتبة الوطنية الجزائرية، يوم للشيخ إبراهيم بن عمر بيوض  المصلح العلامة الميزابي الأباضي، شارك فيه نخبة من العلماء والمفكرين، وقد كان هذا المصلح مناضلا كبيرا في الحركة الوطنية عمل مع عبد الحميد بن باديس السني على الحفاظ على اللغة العربية طوال حكم الفرنسيين. لاحظت في هذا اليوم أن المتدخلين أهملوا جانبا مهما من كفاح هذا المصلح، فتدخلت وقلت ما يلي: ‘لم يثر أي متدخل جانبا من نضال هذا المصلح الكبير، وهو مواجهته للنزعة البربرية ومحاربتها. عندما كنت طالبا في معهد عبد الحميد بن باديس بالأربعينيات من القرن الماضي، أدرك أخطر والي عام فرنسي وهو شاتينيون أن سر قوة الحركة الوطنية في وحدتها، فأصدر تعليماته بإثارة النزعة البربرية للتفريق بين العرب والبربر، وتدمير الوحدة الوطنية، وأثمرت تعليماته فيما بعد فتسربت هذه النزعة لحزب الشعب في سنة 1948، وواجهتها قيادة الحزب بقوة، وخير من فصل ذلك هو ابن يوسف بن خدة في كتابه [جذور أول تشرين الثاني/ نوفمبر 1954 ]، وشاركت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في الرد على الحملة البربرية فكتب الشيخ البشير الإبراهيمي مقاله المشهور (عروبة الشمال الإفريقي) التي قال فيها قولته الرائعة:’العربية عقيلة حرة لا تتحمل ضرة’، ومن القرارة تصدى الشيخ بيوض لهذه النزعة، وخير من عبر عن ذالك الشاعر الأباضي الميزابي المناضل الكبير عيسى حمّو النوري في قصيدة نشرها في البصائر سنة 1951 حفظت منها أربعة أبيات لا زالت راسخة في الذكرة يقول:

من رائعات الشرق بيوض الذي نسل الشمال وأنجبت ميزاب

والعبقرية من سلالة نبتـــة إن أُرجعت لأصولها الأعشاب

ودم العروبة في العروق مراجل تغلي وتومض تحتها الأنساب

أكذب بما قال المدمر ضلــة إن المدمر ساحر كـــذاب

 

ولهذا فلا بد من الباحثين أن يتتبعوا موقف الشيخ بيوض المناهض للنزعة البربرية. ولا بد من التفريق بين البربرية والنزعة البربرية، فالأولى عنصر من عناصر تاريخنا، والثانية تيار صنعه الاستعمار القديم وطوره الاستعمار الفرنسي الجديد، لتدمير الوحدة الوطنية.

 إن شاعر الثورة الجزائرية مفدي زكريا كاتب النشيد الوطني الجزائري أباضي مزابي، والشاعر صالح الخرفي المدير السابق في منظمة الثقافة والعلوم والتربية العربية، أباضي مزابي وهو قومي عربي.

الخلاصة:

أولا: إن المذهب الأباضي مذهب متسامح، صاف، مؤسس على مبادئ الأسلام كما ظهر في حكم الخلفاء الراشدين. ويذهب بعض المؤرخين العرب فيعتبرونه المذهب الخامس الذي يكمل المذاهب السنية الأربعة، وقد ورد في هذا البحث موقف الإمام مالك بن أنس من مؤسس المذهب الأباضي. أقام هذا المذهب أعظم دولة بالجزائر [المغرب الأوسط] وهي الدولة الرستمية وعاصمتها تاهرت أي تيارت. وقد كانت دولة متسامحة تعايشت فيها سائر المذاهب والملل. وقد حارب الأباضيون الخوارج المتطروفين كالأزارقة والصفرية. ومن أحكام هذا المذهب تحريمه للدخان أي السكاير، وتتجه الآن الإنسانية كلها إلى تحريم هذه الآفة.  إن وصف المذهب الأباضي بالخارجي خطأ يسفهه التاريخ والعلماء وعلى رأسهم مالك بن أنس. حافظ بنو ميزاب الأباضيون على اللغة العربية طوال قرن وثلث قرن من الاستعمار الفرنسي، ومنطقتهم تعتبر أفضل منطقة بالجزائر حافظت على اللغة العربية

ثانيا: إن اللغة الأمازيغية البربرية لغة عروبية تفرعت عن العربية القديمة منذ آلاف السنين مثل الآرامية والكنعانية والبابلية والأشورية وغيرها، وبما أنني أملك العربية والأمازيغية، فقد قمت بإصدار ‘معجم الجذور العربية للكلمات الأمازيغية البربرية’ أثبت فيه أن كلمات الأمازيغية عربية بنسبة تسعين في المائة. كلماتها عاربة ومستعربة. هي لغة عاربة قحطانية.

ولقد أفردت فصلا طويلا عن الدولة الرستمية في كتابي (الجزائر في التاريخ)

رئيس الجمعية الجزائرية للدفاع عن اللغة العربية

[ 1 ] أبو الربيع سليمان الباروني، مختصر تاريخ الأباضية، ص 29، تونس 1938

[ 2 ] محمد علي دبوز، تاريخ المغرب الكبير، ج 3، ص 350، القاهرة 1963

[3]  E.Levi-Proven’al: Histoire de LEspagne Musulmane T1 P245-246 Paris 1950

 المصدر جريدة رأي اليوم

إضافة تعليق