أنت الآن هنا: الصفحة الرئيسة - أحداث ومحطات - فتنة غرداية ديسمبر 2013 - بعض السلفيين المتطرفين يسعون للعبث بغرداية

أحداث ومحطات

السبت 18 جويلية 2015

بعض السلفيين المتطرفين يسعون للعبث بغرداية

عبد الحكيم ڤماز

شدّد الدكتور محمد عيسى، وزير الشؤون الدينية والأوقاف، على ضرورة إنشاء مرصد مراقبة النِّحل والتطرّف، من أجل تأمين محيط الجزائر الفكري والثقافي. وأكّد في حوار خصّ به “الخبر” على أن التصنيف الطائفي خطر يهدّد الجزائر برمّتها، كما تطرّق إلى مواضيع تتعلّق بالشأن الديني كقضية مفتي الجمهورية وطرد الأئمة السلفيين المتطوعين ودور المسجد الاجتماعي والتنسيق بين وزارته وسلطة الضبط للسمعي البصري فيما يتعلّق بالبرامج الدينية، ودورها في مراقبة المدارس القرآنية الخاصة وجديد الحجّ والتنسيق مع نقابة الأئمة.

 هناك مَن يقول إنّ النّزاع بين الفرقاء في غرداية لا علاقة له بالدّين، بل بالعقّار، مع أخذه الصبغة الدينية، ما تعليقكم؟
 القول بأنّ الخلاف في غرداية سببه العقار فقط هو تقليل من شأن المشكل، العقار جزء من المشكل والمخدرات جزء ثان، والتجارة غير الرسمية جزء ثالث، وما تركه الاستعمار من ضغينة بين السكان جزء رابع، واليد الخارجية جزء خامس، والجزء السّادس وهو الذي يعنيني كوزير للشؤون الدينية والأوقاف هو محاولات التوظيف المذهبي للخلاف، فعوض أن نقول إنّ أبناء الجزائر في غرداية دخلوا في اشتباك مسلح كما يحصل الآن من اشتباكات مسلحة في أحياء العاصمة وبين بعض العروش في شرق البلاد وغربها وفي الصّحراء، اشتباكات نقول: بين المالكية والإباضية، فهذا التقسيم والتمييز خطير، ونحن نرفضه، لأنّه يدفع إلى العداوة، وهو أحد الأدوات التي تستعمل في تغذية العداوة وليس لإنشائها، ولكن الذين يحبّون إدخال الجزائر في المستنقع الطائفي هم الذين ما زالوا يصرون على أنّ الخلاف هو بين الإباضية والمالكية.

لكن دخول التيار السّلفي كطرف ثالث من خلال بث قناة “إقرأ” لحصة أججت الصّراع، ما دفع بمسيرات تكفّر الإباضيين؟
 ليس فقط التيار السلفي، حصة قناة “إقرأ” قديمة، والدليل أنّها لم تؤثّر في شيء، بل الموضوع كان من قبل بكثير، وفي كلّ مرّة الخلاف كان يطفو بسبب تنافس تجاري أو عقاري أو حتى بسبب تعاطي الشباب للمخدرات أو التعدي على غيرهم، وفي كل مرة تدخل تلك الخلافات تحت غطاء سياسي، وأتت حصة “إقرأ” في خضم الصراع، وليس قبله، واليوم يوجد شريط آخر يتداول لشاب جزائري يدرس في المملكة العربية السعودية ويلبس غترة سعودية، ويقول كلامًا لم يكتبه هو، وعندما تنظر إلى الشريط تكتشف أنه لم يكتب نصّه بل كُتب له، من أجل إعطاء اللّون المذهبي للخلاف، برغم أن الخلاف لم يبدأ بهذا السبب.
وكما قلت السّلفية ليست الوحيدة، لأن الخلاف في غرداية يُرفَع باسم المالكية، والنداءات التي تنشر على الفايسبوك تنادي بمالكية الجزائر، وكأن الجزائر أصبحت دولة طائفية، فيها المالكية ضدّ الإباضية، إلى درجة أن أطرافا لا علاقة لها بالجزائر وأقصد التوجه الشيعي الذي أصبح يُحلّل المشكلة في الجزائر على أنها طائفية، من فرط ومن شدّة محاولات التوظيف السياسي والإيديولوجي والاسترجاع والتحكم.
وعندما نأتي للتصنيف في منطقة غرداية فإننا بين خيارين، إما نتكلم بمنطق اللغة الوطنية ونقول هؤلاء مواطنون جزائريون يقيمون في ولاية معيّنة، وفي هذه الحالة الخلاف وقع بين سكان في ولاية غرداية، أو أن نضع المعيار الدّيني ونقول إن هذا الصراع وقع بين مسلمين يقتلون بعضهم بعضًا. وفي الحالتين الموضوع خطير، ويحتاج إلى إصلاح ذات البين، لكن عندما نقول سقط من الإباضية كذا من الأرواح ومن المالكية أيضًا، فهذا تقسيم طائفي للجزائر.
وللسّلفية دور في الموضوع، وقد أشرت من قبل وأتحمّل مسؤولية ما ذكرته وهو وجود أشخاص في غرداية مشبّعين بالفكر السلفي المتطرف، غير الفكر السّلفي الوطني الذي لا يهدم الوطن ولا يخرّبه، لكن ما أقصده هو فكر الفرقة الناجية ومصدرها مقبل بن هادي الوادعي في اليمن، الذي أنشأ مدرسة الدمّاج، حيث إن بعض عناصره يسعون للعبث بغرداية، ونحمد الله أنّهم ليسوا في المساجد ولا في المدارس القرآنية، لكن رغم ذلك فهم موجودون باعتبارهم من سكان غرداية.
هذه المجموعة تستعمل الفكر التصنيفي أو مذهب الجرح والتعديل من أجل اعتبار الإباضية فرقة خوارج، لكن الحقيقة التي ينبغي أن يعرفها المالكيون جميعًا هي أن تلك المجموعة التي تنتمي إلى هذه المدرسة تعتبر المالكية فرقة مبتدعة بسبب أنهم يتعبّدون الله تعالى بنصوص فقهائهم ولا يرجعون إلى نصوص الكتاب والسّنّة، وبسبب عقيدتهم الأشعرية، ففي الحالتين هاته المدرسة تكفّر الجميع وتعتبرهم من أهل النّار إلاّ هي، وهذا الفكر التصنيفي هو الذي قصدته وحذّرتُ منه لأنّه يوجد في غرداية ويوجد كذلك في الوسائط الاجتماعية في الفايسبوك والتويتر، ولديه تأثير على الشّباب الذين لا يعرفون حقيقة الخلاف الفقهي، كما لديه تأثير في المتنازعين، لأن المتنازعين أصبحَا يجدان في هذا الخطاب معتمدا شرعيا أو معتمدا فقهيا أو دينيا حتى يبرّروا من خلاله ما يفعلونه بخصومهم.

وكيف تفسرون أخذ الأزمة البعد الطائفي على حساب المرجعية الدينية الوطنية والخطاب المسجدي الذي تنتهجونه؟
 تحوير الخلاف بالمعنى الديني لا يهدّد المرجعية الدينية الوطنية فحسب بل الجزائر برُمّتها، تلاحظ بأن الوحدة والقوّة تزداد إذا كان التنوع تنوعا تكامليا، لكن الوحدة تفقد وجودها إذا كان التنوع تنوع تضاد. لقد كان التعايش منذ القديم معروفا في الغرب الإسلامي، فالدولة الأغلبية كانت حنفية والدولة العُبيدية كانت شيعية وأن المعز بن باديس هو الذي اختار المذهب المالكي بعد ذلك لأنه أصبح مذهب غالب أهل البلد، وهذا الاختيار لم يلغ أي واحد منهم الآخر، والدولة الرستمية كانت في تيارت وكانت حلقات الحوار والمناظرات مفتوحة في المساجد، والقيروان كانت مالكية لكن الحوار كان مفتوحًا مع الشيعة، والأغالبة كان فقهاؤهم وقضاتهم أحنافا وكذلك الدولة العثمانية كانت حنفية، لكن بالجزائر زمن الدولة العثمانية مفتي للحنفية ومفتي للمالكية أيضًا، فهذا التنوع بقي موجودًا باعتباره عنصر قوة.
الآن التنوع أصبح عنصر تضاد وفرقة، وأصبح يسعى لإلغاء الآخر لأنه على صواب، وكلّهم في النار إلا هو من الفرقة الناجية، وخطر على الجزائر كلّها. لماذا؟ لأن الجزائريين سيصنّفون أنفسهم بعد ذلك، فيقول لك: في أي فرقة أنتَ؟ فيقول: أنا مالكي ولست سلفيا، والآخر يقول: أنا إباضي ولست سنّيًا.
دون أن ننسى العمل الخفي الذي يحصل في الوسائط الاجتماعية ويقع في بعض الأحياء الجامعية وفي بعض الثانويات والمتوسطات من تشيّع، لأنّه سيأتيك مَن يقول لك نحن شيعة ولا علاقة لنا بغيرنا، وأنت تعرف أن هذه المركّبات إذا لم تنشأ بالطبيعة أي أنه ليس لها جذر تاريخي في الجزائر، فهي في الغالب موجّهة وموظّفة وسوف تكسّر شوكة الجزائر ووحدتها.
المرجعية الدّينية الوطنية هي صمام الأمان، لماذا؟ لأن المرجعية الدينية الوطنية ليس اختيارًا سياسيًا، ولم تُمل من الخارج، وليست انفعالاً عاطفيًا، لكنها اختيار مرّ عبر التاريخ، فعندما كانت الدولة الأغلبية حنفية كان هناك فقهاء المالكية كالإمام سحنون يُروّجون لمذهب أهل المدينة، ولمّا جاءت الدولة الفاطمية بقي المذهب المالكي هو الوحيد الذي كان يقاوم المذهب الشيعي ويدافع عن السنية، ولمّا جاءت دولة الموحّدين وأحرقت في بعض فتراتها كتب المالكية، المالكية هم الذين أرجعوا المذهب المالكي إلى الوجود باختيار الشعب وليس باختيار الدولة، ولو أن الدولة في ثلاث مراحل كانت ضد المالكية، ولمّا جاءت الدولة العثمانية كان المذهب حنفيًا، لكن الاختيار الديني الشعبي الذي آمن في مذهب مالك باعتباره ممثلا عن مدرسة المدينة المنورة وآمن في العقيدة السليمة التي تفهَم النص وفق المعطى العقلي، وأنها أخذت من التصوف السلوك السني الذي يخدم الروح ويزكّيها ويدفع إلى العبادة والإيمان، هذه هي المركبات وهذه هي المرجعية الدينية، قوتها أنها وطنية بمعنى أنها تجعل كل هذه المركبات في خدمة المجتمع وفي خدمة الوطن، والخطر يقع على الوطن وعلى وحدته أكثر ممّا يقع على مجرد إيديولوجية أو سياسة وزارة.

قرّرتم اتّخاذ إجراءات لتنحية 55 إماما من التيار السلفي بمساجد العاصمة، فما هي هذه الإجراءات؟
 أنا لم أتكلم عن طرد أئمة من التيار السلفي، بل عن المتطوعين، وتعلم أن الوزارة تأذَن لأصحاب الكفاءة بأن يساعدوا الأئمة في المساجد، وما حصل أن من جملة الأئمة الشباب الحاصل على الشهادات الجامعية والذي له علم شرعي أو الذي درس في الخارج علوما شرعية، وله وظيفة أخرى، هؤلاء تطوّعوا في المساجد واستقبلهم المجلس العلمي وناقشهم وقرّر في ذلك الزمان أنهم صالحون لأن يؤموا المصلين في المساجد، لكن تبيّن بعد ذلك أن ولاءهم، وهذا هو الأخطر، ليس أنّهم سلفيون بل إن ولاءهم ليس للجزائر. كيف ذلك؟ لمّا يصدر المدير تعليمة، فإنهم يطلبون الإذن من العوالي، من مشايخ مكة، لتطبيق تلك التعليمة أم لا؟ فكيف أئتمن المسجد وهو بين يديه؟ هذا هو الخلل، وفي عديد القضايا من الأذان وحتّى في صلاة العيد يصلّون بخطبة واحدة وليس بخطبتين، والمشكل عند هؤلاء هو أنهم يعتبرون النشيد الوطني كفرًا ولا يجب أن يُقام له، كما أنّهم يعتقدون أنهم الفرقة الناجية والآخرين كلهم من أهل النار.
نحن نكره ونمقت من يقول في الجزائر التي يجمعها الإسلام أنا سلفي وذاك مالكي والآخر إباضي، التّمييز هو الطائفية، نحن كلّنا مسلمون ونعمل في إطار المرجعية الدينية الوطنية التي هي أساسًا المذهب المالكي الذي يقبل الاجتهاد بالانفتاح على كل المذاهب التي ذكرتها منذ قليل.
وطريقة الإجراء بسيطة، هؤلاء نالوا رخصًا للنشاط لمدة ثلاثة أشهر، بعضهم ستة أشهر، وآخرون رخص سنة، كلّفنا جهاز التفتيش طيلة الممارسة بإعداد تقارير حولهم، فإن لم يقعوا في أخطاء كبيرة، ننتظر انتهاء الرخصة ولا نجدّدها، وإن كان العكس نوقفهم فورا، وقائمة الـ55 فيها مجموعة منهم انتهت رخصهم وخرجوا من المسجد وخلّفهم أئمة حقيقيون جامعيون أو خريجو المعاهد، وبعضهم ما زال مستمرًا وهو يتعهّد بأن لا يخالف المرجعية الدينية الوطنية، وهم تحت المراقبة، أمّا الأئمة المسمّون سلفيين وهم يتلقون رواتب من الدولة ويؤمّون بعض المساجد فلا خطر فيهم، لأنهم في الحقيقة وطنيون في غالبهم، ويطبّقون التعليمات ويساعدون الوزارة في بسط الكلام الجامع والرقابة على الأفكار المتطرفة التي تريد أن تغزو مساجدنا. فالموضوع متعلق بهذا الجانب فقط من المتطوعين.

هل فعلاً سيكون مفتي للجمهورية في دولة ذات طابع علماني الصّلاحيات متمركزة في شخص رئيس الجمهورية؟
 لا، الصّلاحيات المتمركزة في شخص رئيس الجمهورية هي تلك التي أسندها الدستور الجزائري لفخامة رئيس الجمهورية، لكن الدستور الجزائري لم يسند لفخامة رئيس الجمهورية الإفتاء.
أقصد تضارب المصالح، لأن لمفتي الجمهورية سلطة مستقلة؟
 هذا التصور موضوع سجال فلسفي أثاره الإعلام، وحُقّ له أن يثيره، كما أثارته بعض الأحزاب السياسية ذات الطابع العلماني، من جهتنا نحن في الوزارة نعتبر الموضوع متناسقا تمامًا، لأننا أوّلا لم نتكلم عن منصب مفتي الجمهورية، بل تكلمنا عن مجمع للإفتاء، والذي يُترجم عند المتفرنسين بأكاديمية الإفتاء، وهو عبارة عن مؤسسة عملها يكون تشاوريا وعناصرها من الكفاءات الدينية، والإمام المفتي مثلا كرتبة دينية، يُعيّن فيها الإمام بعد تقديم جهد والاستجابة إلى جملة شروط إدارية وعلمية، وأمين المجلس العلمي باعتباره انتخبه أقرانه من الأئمة، وأساتذة جامعيون مختصّصون في العلوم الإسلامية لأنّ لديهم القدرة في البحث والتحليل، وأساتذة وخبراء خارج دائرة العلوم الإسلامية، لأن بعض الظواهر هي اجتماعية أو اقتصادية أو طبية أو فلكية تحتاج إلى رأي عليم فيها، هؤلاء سيتداولون فيما بينهم في هيئة، وهذه الهيئة تحتاج إلى إدارة والتي يكون فيها أمين عام ولكن يقينًا لابدّ أن يكون لها رئيس، وهذا الرئيس لا أعلم هل سنسمّيه مفتي الجمهورية أو رئيس مجمع الإفتاء أو الأمين الوطني للإفتاء، لكني أعلم أنّ أحسن صيغة هي الصيغة المؤسسية، وهذا هو الذي ورثناه منذ الاستقلال، فالمجلس الإسلامي الأعلى لما كان تابعًا لوزارة الشؤون الدينية والأوقاف كان هذا هو تنظيمه، وهذا الذي نريد أن نرجع إليه، لكن فقط بلمسة جامعية وبلمسة متعددة التخصصات، وهذه الصيغة متناسبة تمامًا مع مفهوم الجمهورية، ولا تعارض مفهوم الجمهورية ولا تقلق أولئك الذين يخافون من أن يكون إنشاء مفتي الجمهورية تهديدًا لرمز الطابع الجمهوري، أو أنه تهديدًا لصلاحيات العدالة أو لصلاحيات المجلس الإسلامي الأعلى بصيغته الحالية، أو أنه تعدي على صلاحيات فخامة رئيس الجمهورية، فهو مؤسسة علمية تمامًا كما هو موجود في المشرق العربي الحديث كمجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة التعاون الإسلامي بجدة، ومجمع الفقه الإسلامي في الأزهر الشريف.

أعادت الوزارة للمسجد دوره الاجتماعي من خلال إسناد سلال للمساجد مهمة جمع المواد الغذائية الفائضة، فهل سيتحوّل المسجد من مؤسسة للصّلاة والتّعليم إلى مؤسسة خيرية في وقت منعت فيه السلطات هذا الدّور عن الجمعيات الخيرية؟
لستُ أدري لماذا فقط السلة، فالمسجد له دور اجتماعي في السلة وفي غير السلة، المسجد كما ذكرتُ له دور اجتماعي في السلة وهذا بمناسبة شهر رمضان، لكن له دور اجتماعي في الزكاة، وفي إصلاح ذات البين، وفي عقد القران، وموضوع الطلاق، وفي الجنائز، وفي التربية والتعليم فيما يخص دروس الاستدراك.
فالمسجد أبدًا لم يُمنع من أداء دوره الاجتماعي، والمرسوم التنفيذي الذي ينشئ القانون الأساسي للمسجد يعطي للمسجد هذه الصلاحيات، الدولة هي التي أعطت هذا الدور للمسجد، بناء على ميراث المسجد، لأنّه منذ كان مسجد النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام لم يكن مكانًا للصّلاة وتلاوة القرآن فقط، بل للإشعاع الاجتماعي أيضا.
تقول أنتَ إن هذا العمل من صلاحيات الجمعيات الخيرية، نعم، ولذلك فإنّ الدور الاجتماعي لا ينبع من المسجد منفردًا عن المؤسسات الأخرى، وقاعدة العمل هو أنه يتعاون مع المؤسسات الأخرى في شأن معين، فالمسجد يتعاون مع الأمن والدرك في موضوع مطاعم الرحمة، عند حواجز الطرقات من أجل التقليل من حوادث المرور، ولم يتفرد لوحده، المسجد نسّق مع وزارة التضامن الوطني في موضوع قفة رمضان، والمسجد في جانبه الاجتماعي أيضًا نسق مع جمعية الهلال الأحمر الجزائري، كما ينسق مع وزارة التربية في موضوع دروس الاستدراك وما قبل التمدرس.

هل تخضع سلطة الضبط للسمعي البصري لوزارة الشّؤون الدّينية والأوقاف فيما يتعلّق بالبرامج الدّينية؟
 لا، هي تنسق معنا، ويجب أن تعلم أن الوزارة كانت السباقة في التنبيه إلى خطورة أن يكون التوجيه الديني خارجًا عن النظام العام، ولعلّ ما نعيشه الآن في غرداية يدلّ على ما نبّهنا إليه كان في محله، لأن المنابر التي تكفّر الغير تنتهي في الأخير إلى استباحة دماء الغير واستحلال أموالهم، ولذلك نحن نبّهنا إلى هذه الخطورة، لكن بعد صدور المرسوم الذي أنشأ سلطة الضبط، أصبحت الوزارة ترجع إلى سلطة الضبط لتنبيهها إلى المخالفات، وسلطة الضبط تقوم بعملها أو في حدود إمكانياتها، وتستشير وزارة الشؤون الدينية والأوقاف في وضع تصور مشترك حول الآلية، لأن هذه الأخيرة لا يجب أن تكون للرقابة بل آلية تشاور أيضا.
كما بادرنا بملتقى دولي حول الإعلام الديني، وسوف ننظم إن شاء الله قبل موسم الحج لقاء ثانيًا وسيكون وظيفيًا وليس لإلقاء محاضرات علمية حتى نتبادل الرأي مع هذه القنوات التي تستضيف نشاطات دينية وبرامج إفتاء وتوجيه ديني، وسوف تكون الكلمة لرجال الإعلام وللقائمين على هذه القنوات حتى يفهمنا هذا المدير أو ذاك لماذا يعزف عن كفاءة معتدلة ويذهب إلى كفاءة مشكوك في انتمائها أو في ولائها، وسوف نسعى لإقناع هؤلاء الإعلاميين أنّ صمّام الأمان هو أن نشتري الدواء من الصيدلية لا من عند الخضار، والشأن الديني ينبغي أن يكون بأيدي رجاله، وليس بالضرورة أن يكونوا أئمة، لكن ليس أيّ داع يفتح له الإعلام، لأن منبر المسجد ممنوع عليه، لكي يفتي في الجزائريين، وفي دمائهم أو أعراضهم، أو يخلخل حياتهم الاجتماعية، لأن الدين كما تعلم جاء لسعادة الإنسان في العاجل والآجل.

هل للوزارة دور في مراقبة المدارس القرآنية الخاصة من كتب وبرامج تعليمية؟
نعم، لكن التحكم أصبح صعبًا جدًّا، فالكثير من المدارس القرآنية صارت تفتح تحت اسم جمعيات، ففي مدينة وهران اكتشفنا جمعية ثقافية فتحت مدرسة قرآنية والقائمون عليها متشيعون، ولما يدرك ولي تلميذ أن هذه المدرسة تُعلّم ابنه في وقت هو وزوجته في العمل سيفرح، ولكن عوض أن يتعلم ابنه القرآن يتعلّم سبّ عائشة رضي الله عنها وسبّ عمر وأبو بكر رضي الله عنهما، هنا تكمن الخطورة.
ولذلك تنامي فتح المدارس القرآنية أصبح مقلقًا للغاية لوزارة الشؤون الدينية والأوقاف، خاصة وأنّ أغلبها لا يطلب رخصة مسبقة، لأن قانون الجمعيات في جانبه المتعلق بالشؤون الدينية لم يصدر فيه نص تنظيمي، والمادة 47 التي تحيل إلى النص التنظيم لم تصادق عليها الحكومة بعد، وبالتالي هذا الفراغ سيجعل البعض يؤسس لجمعيات وهمية وليست حقيقية ويستغلون عاطفة أولياء التلاميذ ويفتحون أقساما في بيوتهم وفي مستودعات في أحيان أخرى، وفي بنايات أعطيت صفة المدرسة بعد أن كانت مستودعات، بل أصبحت الطوابق السكنية مدارس قرآنية، أو هكذا تسمّى.
لكن في نظر الوزارة المدرسة القرآنية هي المدرسة التي تنشأ بقرار يوقعه الوزير، وهذا مقتضاه أنّ الأستاذ الذي يدرّس ينبغي أن نعرفه ونضمن فيه ونقول للنّاس أرسلوا أولادكم لأنه ليس شاذًا لا فكريًا، ولا أخلاقيًا، ولا وطنيًا، وسيضمن لكم أن ابنكم لن يصبح مسخًا في المجتمع ضدّ وطنه ولا ضد عائلته أو أسرته ولا ضدّ دينه، وما عدَا هذا فهي مدارس سنعمل في القريب العاجل على إعادة تنظيمها بمراجعة المرسوم التنفيذي المنشئ للمدرسة القرآنية حتى يمتد إلى المدرسة القرآنية التي سمّيتها أنت خاصة، وأنا أظن أن صدور هذا التعديل بالإضافة إلى صدور قانون الجمعيات المتعلق بالشؤون الدينية.

بلغنا أن وزارة المالية خصصت مؤخرا ميزانية معتبرة للمصحف ثمّ تراجعت عنها، ألا تعتقد أنّ ما تطبعه الوزارة (140 ألف مصحف) لا يغطّي مساجد الجمهورية، ثم كيف يمكن تفعيل طبع المصحف الشّريف وتطوير طباعته وتوفيره بالكميّة الكافية في الجزائر؟
❊ عدد المصاحف المطبوعة في الجزائر لا يكفي، ولكنّي أعطيك تفسيرا من خلال هذا التسلسل، فالمصحف كان يُطبع في الجزائر على عاتق الدولة مرة واحدة كل عهدة رئاسية، وهو ما وقع في العهدة الأولى للرئيس بوتفليقة، وفي الثانية أمر بطبعه كل سنة، وخصص ميزانية لذلك.
وهذه السنة حصل تأجيل، بسبب تدني سعر المحروقات، والميزانية ما زالت موجودة في إطار المخطط الخماسي 2014-2019، وميزانية طباعة المصحف خمس مرات في هذا الخماسي ستتحقق ولو طبعنا المصحف بخمس أضعاف في السنة الأخيرة، وهذا متعلق بترشيد النفقات العمومية.

هناك جملة من مشاريع القوانين لم يتم تفعيلها أو الفصل فيها منذ أكثر من ثلاث سنوات كمشروع ديوان الوقف، وديوان الزّكاة، ومركز البحوث والدّراسات، وإعادة تفعيل المراكز الثقافية الإسلامية؟
 هي كلها مشاريع مؤجّلة بسبب الأثر المالي، فإنشاء الديوان الوطني للأوقاف يحتاج إلى إطارات تعين بمرسوم، ومعنى هذا رواتب عالية وميزانية التسيير والتجهيز تحتاج أيضًا لنفقات عمومية إضافية، ولذلك تجدنا الآن نبحث عن صيغة الأقل تكلفة لديوان الأوقاف وكذلك ديوان الزكاة، غالب الظنّ أنّنا سننشئه على شاكلة مؤسسة وبمرسوم تنفيذي بالنظر إلى المنفعة العمومية، وبالتالي سوف تنشأ من رحم قانون الجمعيات الذي ننتظر المصادقة عليه، أما ديوان الأوقاف فإنّنا ننتظر تحسّن الوضع الاقتصادي من أجل اقتراحه.
وهذه المشاريع ليست معطّلة منذ ثلاث سنوات بل عشرة أعوام، لأننا لم نجد الصيغة المناسبة خاصة في صندوق الزّكاة لأنّه ليس ملكا للإدارة، بل هو جهد المجتمع المدني، ولكن ضروري أن تسيير الشأن المالي يخرج من أيادي إطارات الإدارة المركزية وحتّى اللامركزية، وينبغي أن يستقل صندوق الأوقاف بديوانه حتى يفكر الخبراء في كيفية استثمار وجمع أصوله، وأن يستقل صندوق الزكاة عن الإدارة المركزية، بحيث ينتدب له من يقوم على شأنه من حيث تنميته والتعريف به ومن حيث إحصاء الفقراء والمساكين ومن حيث سلاسة إيصال الأموال إلى المستحقين، وهذا يقتضي أن يخرج من أيدي الإداري، وهي مشروعات ما زالت موجودة وتنتظر الفرصة لتفعيلها.


هل فعلاً مشروع مراصد مراقبة النِّحل والتطرّف طُرح على مستوى الحكومة، ألاَ تتخوّفون أن يُسنَد إلى وزارة الدّاخلية؟

 ليس لدينا مانع في أن يكون الديوان تابعًا لوزارة الداخلية، لأننا لم نفكر أن ننشئ المرصد لنستأثر به نحن، وأكثر من هذا نحن نفكّر أن يكون في مستوى أعلى من وزارة الداخلية، نتمنى أن يكون في مستوى الوزارة الأولى أو في رئاسة الجمهورية، لماذا؟ لأن الموضوع هو إنشاء مرصد يكون فيه التشاور وتقاسم المعلومات واقتراح الحلول، فأنا في قطاعي لا أحتاج إلى المرصد من أجل محاربة هذه الأفكار وأنا لا تنقصني المعلومة لأن وزارة الداخلية مشكورة تمدني بالمعلومة الأمنية بخصوص كلّ الاتجاهات التي تريد أن تجد لها موطئ قدم داخل المسجد، وجهاز التفتيش كذلك ضابط ماهية الاتجاهات الموجودة في المساجد والتي تريد أن تَحُلّ في المساجد وأن يكون لديها موطئ قدم، ويمكنني أن أكتفي بالعمل العادي وأسير شؤوني، لكن الأفكار التي تتخذ من الدّين غطاء لها لم تعُد تهجم علينا داخل المساجد بل أصبحت تهجم علينا خارج المساجد، ونحن نريد أن نفيد إخواننا في قطاع التربية بمعلومات عن هذه الطوائف وخطورتها، وكذلك مع وزارة التعليم العالي والبحث العلمي ومع التكوين المهني ومع الشباب والرياضة ومع الإعلام، ينبغي أن نقاسمهم هذا الانشغال وأن نبيّن لهم تهافت هذه الأفكار وخطورتها وأنها تريد أن تصنّفنا تصنيفًا طائفيًا، ولذلك نحن نرجو أن يكون في مستوى عال، أي في مستوى الوزارة الأولى، وفي كلّ الحالات فإنّنا قدّمنا مشروعنا والتداول هو الذي سوف يصدر، إمّا أن يسنده إلى وزارتنا، أي رئاسته تكون لوزارة الشؤون الدينية والأوقاف وبالتشاور مع القطاعات الأخرى، أو يوضع تحت وصاية الداخلية، أو تابعًا لوزارة العدل باعتبارها هي التي تقوم على القوانين، أو يكون في الوزارة الأولى أو رئاسة الجمهورية، وفي كلّ الحالات الجزائر تحتاج إلى مرصد من أجل تأمين محيطها الفكري والثقافي.

وهل من جديد فيما يخصّ تحضيراتكم لموسم الحجّ؟
الجديد هو انتقاء الفريق المؤطّر، لأن التحضيرات المادية كلّها تمّت من الإيجار والسكنات والإطعام والخيام في عرفات، التي سوف تعرف تحسّنًا كبيرًا هذه السنة، وخيام منى التي سوف تعرف تحسينا إضافيا، إلى جانب المسار الإلكتروني التجريبي، لكن الذي يقوم على هذا الشأن هم النساء والرجال الذين سوف تنتقيهم القطاعات الوزارية المختلفة ومن جملتها وزارتنا، هؤلاء هم الذين بقي الجهد في دائرتهم، وهؤلاء في تقديرنا ننجح معهم في حسن اختيارهم، وحسن تكوينهم ثانيًا.
أمّا الاختيار فقد طلبنا الكفاءة والالتزام، وقد جاءت القوائم من كل القطاعات الوزارية المعنية والآن بقي التكوين، وسنبدأ فيه مباشرة بعد شهر رمضان، وسوف نكوّن الأئمة والحماية المدنية والأطباء بحيث يستفيد الفريق الطبي من التكوين الديني، والفريق الديني من التوجيه الطبي، والحماية المدنية كذلك تستفيد من الأطباء وعلماء الدين، وهكذا يكون التكوين وظيفي كذلك بحسب النظام الجديد الذي رسمناه عن العمل الداخلي في العمل التقليدي الذي كان عندنا، لكن وجود مدير متفرغ للمسار الإلكتروني، وهناك مدير متفرغ للإطعام، وآخر للمشاعر، والذي سيأخذ على عاتقه مسؤولية تنظيم الحجاج في الخيام وفي عرفات وفي منى، ماذا ومتى يأكلون ومتى يخرجون إلى الرجم وما هي الرايات التي يحملونها ووقت صعودهم ونزولهم من الحافلات، وهذا يحتاج إلى ديناميكية جديدة وإلى مؤسسة العمل البشري الذي نعمل عليه الآن.

ما الجديد فيما يخص مطالب نقابة الأئمة لموظفي القطاع من مساكن والزيادة في الرواتب وغير ذلك؟
 بادرتُ بمجرد نيلي ثقة فخامة رئيس الجمهورية وتعييني في هذا المنصب، وقلت بأني أعلم وأحس وعايشتُ الصعوبة التي يعيشها الإمام في أداء مهامه، وقلت بأنّ النظام التعويضي يغبن الإمام ويعطيه أقل ممّا يبذله من جهد، وبالفعل أنا راسلت الهيئات الرسمية من أجل مراجعة النظام التعويضي لأنه صمّم في زمن كان فيه عجلة ولم تكن هناك كفاءة عند المصممين، ووصلت الرسالة وطُلب منا أن نقدم اقتراحا وقدّمناه أوّلاً ثم اقتراح ثانيا تحسينه.
ومرة ثانية أقول إن الضائقة المالية والاقتصادية التي تعيشها البلاد تجعل هذه الأمور تتأجل، لكنها مسجّلة رسميًا كما قلت، وبمجرد انتعاش الحياة الاقتصادية في البلاد سنعيد الموضوع للنقاش، وهذا الموضوع نحتاج فيه لدعم النقابة من أجل التأييد، ولكن احتياجاتهم وصلت فعلا إلى الجهات المعنية. وفيما يخصّ السكنات والميزانية التي كانت تعطيها لنا الدولة للمساهمة في بناء المساجد، لاحظنا أنها قليلة، تعطي خمسمائة مليون سنتيم للجمعيات الدينية ومرّات ثلاثين مليونا ومرّات سبعين مليونا، وفي أحسن الحالات مائة مليون، وقدّرنا بأن هذه الأموال من الآن فصاعدًا عندما نعطيها للجمعيات الدينية نشترط عليها تخصيصها لبناء السكن للإمام، وراسلنا بذلك السادة الولاة ووافقوا وهم الآن يبنون من ميزانية البلدية وميزانية الولاية سكنات تابعة للمساجد يسكنها الأئمة، إضافة إلى هذا طلبنا من السادة المديرين إعطاءنا طلبات الأئمة في السكن الاجتماعي والتساهمي والترقوي وبعد جمعنا للمعلومات سنراسل السيد وزير السكن والعمران والمدينة لعله يعطي للأئمة كما أعطى لقطاع التربية وغيرها.
وبالنسبة للكفاءات ورفع الرواتب، فإننا فتحنا ورشة مراجعة القانون الأساسي، وبالنظر إلى الضائقة المالية التي تعيشها البلاد قلنا نراجع القانون الأساسي فيما لا أثر مالي له، كما أننا قررنا فتح تخصّص ليسانس “أل أم دي إمام”، يسمح لأئمتنا والمؤذنين والقيّمين والمتحصلين على البكالوريا تسجيلهم في الجامعة ليتخرج ويعيّن بعد ذلك إمامًا ويصبح راتبه يتضاعف بحوالي مرتين أو أكثر، وهذا هو التصنيف الذي عندنا. أمّا الورشة المفتوحة بطبيعة الحال وهي بأيدي الخبراء والقانونيين بالوزارة، والنقابتان مرحّب بها في هذه اللجنة، والتي يشرف عليها السيد الأمين العام والذي التقى فعلا بالنقابتين، ونحن لدينا استعداد لذلك، وأقول لإخواني في النقابة أن يمدّوا أيديهم لوزير الشؤون الدينية والأوقاف لنفكّر معًا من أجل ترقية مكانة الإمام في المجتمع، لأنه بقيمة الإمام في المجتمع تقوى كلمته وتوجيهه ويؤمّن مجتمعه.

المصدر جريدة الخبر

 

إضافة تعليق