أنت الآن هنا: الصفحة الرئيسة - أحداث ومحطات - فتنة غرداية ديسمبر 2013 - النظام يواجه عصيانا في جهاز الشرطة!
عندما يخرج المنتسبون لقطاعي التربية والصحة إلى الشوارع للتعبير عن تذمرهم من أوضاعهم الاجتماعية والمهنية، فذلك يعكس وجود مجتمع يتحرّك. لكن أن يثور رجال الشرطة في الجزائر على قيادتهم ويفجّروا هذا الشعور في العلن وبدون خوف، فذلك يعني أن حالة من الوهن أصابت هرم النظام.
كتب أحد النشطين في “فيس بوك”، تعليقا على خروج الشرطة بالمئات إلى شوارع غرداية ثم العاصمة، ما يلي: “ماذا تنتظرون في دولة ليس بها رئيس!”. هذه الجملة تقدم قراءة دقيقة ووافية لأوضاع البلاد حاليا. أفراد الشرطة ما عبّروا عن ضيقهم ذرعا بأوضاعهم، إلا لأنهم شعروا بأن ظهورهم تعرّت وبأنهم في “فم المدفع” نتيجة المواجهة التي وضعوا فيها ضد شرائح واسعة من المجتمع، يعتريها شعور بالقلق من مستقبل غامض.
عناصر الأمن ما تجرّأوا على إخلاء ثكنة الوحدات الجمهورية بالحميز شرقي العاصمة فخرجوا باتجاه المديرية العامة للأمن الوطني بباب الواد، وعلى مغادرة مقرات الأمن الحضري بغرداية والاحتجاج أمام مديرية الأمن الولائي للمطالبة برحيل اللواء عبد الغني هامل، إلا لأنهم تأكدوا وهم رجال الميدان بأن المؤسسة التي ينتمون إليها فقدت هيبتها وأن قيادتها ليست في مستوى المسؤولية الكبيرة المكلفة بها، وهي ضمان أمن المواطن ضد كل أشكال الإجرام في المدن، وعاجزة عن حماية المنتسبين للمؤسسة نفسها من كافة أشكال الضغوط. مؤسسة الأمن الوطني كغيرها من الهيئات والشركات الحكومية، يشعر غالبية الموظفين فيها بالضيق من ازدواجية المقاييس في الترقية والوصول إلى المناصب والامتيازات، فلا غرابة أن يسمع الشرطي يصرخ في الشارع “لست أنا من ينبغي ان يتحمّل فاتورة حل أزمات البلاد”. ولحالة التذمّر العارمة التي اجتاحت سلك رجال الأمن الوطني، وجه آخر ذو أهمية بالغة في الظروف التي تمرّ بها البلاد، فهي تعكس حالة شغور في أعلى هرم البلاد، وتعكس تعدد مراكز القرار وغموضها، كونها مجهولة، وهي حالة أخطر من عجز رئيس الجمهورية عن آداء وظيفته. وبحكم المهن، فرجال الشرطة أكثر قطاعات المجتمع وعيا بأن غياب رئيس عن تسيير شؤون البلاد بنفسه، وليس بالوكالة، يعرّضها لكل الاحتمالات، أخطرها الانفلات الأمني، ولذلك هم مقتنعون أنهم أول من سيكون في الخطوط الأمامية لمواجهة انزلاق أمني إن حدث، وهم أول من سيدفع الفاتورة بالعقاب الإداري أو حتى السجن في حال التقاعس عن آداء المهمة، أو التورط في تجاوزات. وقد جرّب أفراد الأمن في غرداية صعوبة المهمة خلال مدة عام كامل. فالوزير الأول ووزير الداخلية والمدير العام للأمن وقائد الدرك الوطني، وعدد كبير من المسؤولين نزلوا إلى غرداية في كل مرّة تتجدد فيها المواجهة الطائفية، وفي كل مرّة يتعهد المسؤولون باتخاذ عقوبات ضد المتسببين في القتل وتخريب الأملاك الخاصة والمرافق العمومية، من دون أن يتم ذلك ومن دون أن يقدم أي واحد منهم سبب الاضطرابات التي تعيشها غرداية. فهل يعقل أن بلدا تنفق فيه أموال طائلة من أجل تعزيز قدرات أجهزته الأمنية، تعجز سلطاته عن القبض على منحرفين يمارسون العنف يتحركون في منطقة محددة ومكشوفة؟ هل يعقل أن تكتشف السلطات مخابئ الإرهابيين الذين قتلوا هيرفي غوردال في الغابات والجبال، وتعجز عن تحديد هوية زارعي الرعب والفوضى في غرداية؟!
المصدر جريدة الخبر