أنت الآن هنا: الصفحة الرئيسة - أحداث ومحطات - فتنة غرداية ديسمبر 2013 - العيش بالأمل وحسن الظن بالله

أحداث ومحطات

الخميس 24 أفريل 2014

العيش بالأمل وحسن الظن بالله

أ. محمد بن سليمان الحاج موسى

الْخُطْبَةُ الأُولَى

 

الحمد لله مجيب دعوة المضطرين بإحسانه، وساتر أسرار المذنبين بعفوه وغفرانه، الواحد فلا ثاني في ملكه وسلطانه، أحمده على نعمه وآلائه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه.

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله فهو القائل:"يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون " عباد الله-إن الله تعالى قد جعل الحياة الدنيا متقلبة الأحوال، لا تستقيم أبدا على حال، ولا تصفو لمخلوق .   

جبلت على كدر وأنت تريدها    صفوا من الأقدار و الأكدار

ومكلف الأيام ضد طباعهــا     متطلب في الماء جذوة نـار

 

 فالحياة إخوة الإيمان،فيها الخير والشر، والسرور والحزن، ويأتي الأمل والتفاؤل شعاعين يضيئان دياجير الظلام، ويشقان دروب الحياة للأنام، فيبعثان في النفس الجد والمثابرة، و الجلد والمصابرة، فالذي يغري التاجر في تجارته أمله في الأرباح، والذي يبعث الطالب للجد في دراسته أمله في النجاح، والذي يحبب إلى المريض الدواء المر أمله في الشفاء، والذي يدعو المؤمن أن يخالف هواه، ويطيع مولاه، أمله في الفوز بجنته ورضاه، وإذا تعسر على المؤمن شيء لم ينقطع أمله في تبدل العسر إلى يسر، وإذا اقترف ذنبا لم ييأس من رحمة الله ومغفرته، بل يرجع إلى ربه ولا يسوف في توبته، قال تعالى: }قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ{[ الزمر: 53] ، فبالأمل يذوق الإنسان طعم السعادة، وبالتفاؤل يحس بهجة الحياة.   

       أعلل النفس بالآمال أرقبها    ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل .

 

لقد كان النبي – صلى الله عليه وسلم- يعجبه الفأل الحسن، لأن فيه إحسان الظن بالله عز وجل.وقد جاء في الحديث القدسي " أنا عند ظن عبدي بي فليظن عبدي ما شاء، فمن رصي فله الرضا ومن سخط فله السخط"

أيها المسلمون: إن حقيقة الأمل لا تأتي من فراغ، كما أن التفاؤل لا ينشأ من عدم، إذ أنهما وليدا الإيمان العميق بالله جل وعلا، والمعرفة بسننه ونواميسه في الكون والحياة، فهو سبحانه يصرف الأمور كيف يشاء متى شاء، بعلمه وحكمته، وإرادته ومشيئته، (وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ)[الرعد :8] ، فيبدل من بعد الخوف أمنا، ومع العسر يسرا، ويجعل من كل هم فرجا، ومن كل ضيق مخرجا، ولهذا كان المؤمن على خير في كل الأحوال، لحسن ظنه بالله الواحد المتعال، وتفاؤله لبلوغ الآمال. فهو شاكر لله في السراء، وصابر على ما أصابه في الضراء. فكان أمره كله له خير، وليس ذلك إلا للمؤمن. فعن صهيب بن سنان -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم- : ((عجبا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له)) رواه مسلم، والمؤمن دائما يضع نصب عينيه قول الله تعالى: (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّواشَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمون)[البقرة :216]، وهو على يقين بأن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه كما قال النبي – صلى الله عليه وسلم- : ((لا يؤمن عبد حتى يؤمن بالقدر خيره وشره، وحتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه)) رواه الترمذي، وشتان ما بين حال المتفائل والمتشائم، إذ المتشائم لا يرى في الوجود إلا الظلام والشقاء، ولا يرى الحياة إلا بنظرة سوداء، فحكم على نفسه أنه من التعساء.

 

 أيها المشتكي وما بك داء                  كيف تغدو إدا غدوت عليلا؟

إن شر النفوس نفس يؤوس                يتمنى قبل الرحيل الرحيلا

ويرى الشوك في الورود ويعمى          أن يرى فوقها الندى إكليلا

هو عبء على الحياة تقيل            من يرى في الوجود عبئا تقيلا

والدي نفسه بغير جمال                 لا يرى في الوجود شيئا جميلا

 

أيها المسلمون : جدير أن يلد الإيمان الأمل، وأن تثمر شجرة اليقين التفاؤل، وأن يكون المؤمن أوسع الناس أملا، وأكثرهم استبشارا وتفاؤلا، فهذا رسول الله – صلى الله عليه وسلم- الذي أرسله الله بشيرا ونذيرا، وداعيا إليه بإذنه وسراجا منيرا، مكث في مكة ثلاثة عشر عاما يدعو الناس إلى الإسلام، ليخرجهم من عبادة الأصنام، إلى عبادة الملك العلام، فجابه طواغيت الشرك دعوته بالاستهزاء والعصيان، ورفضوا عبادة الواحد الديان، وواجهوا آيات ربه بالسخرية والاستهزاء، وأذاقوا أصحابه ألوانا من الإيذاء، غير أنه لم يضعف ، ولم ينطفئ في صدره الأمل والتفاؤل، وحين اشتد عليه وعلى صاحبه الطلب أيام الهجرة، ووصل المشركون إلى غار ثور كان – صلى الله عليه وسلم- يقول لأبي بكر -رضي الله عنه- بلغة الواثق بربه، الذي لم يتسرب اليأس إلى قلبه: ((ما ظنك باثنين الله ثالثهما)). ولا عجب أن يكون النبي – صلى الله عليه وسلم- بهذا اليقين والتفاؤل؛ فهذه صفات إخوانه المرسلين من قبله، وقد أمره ربه أن يقتدي بهم في قوله: (أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ)[الأنعام :90] ، فهذا إبراهيم -عليه السلام- قد صار شيخا كبيرا، ولم يرزق بولد، فدفعه حسن ظنه بالواحد الأحد، وتفاؤله بالفرد الصمد، أن يدعوه ليرزقه ولدا من الصالحين فقال: (رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ)[الصافات :100] ، فاستجاب له ربه ووهبه إسماعيل وإسحاق نبيين من الصالحين، وهذا نبي الله يعقوب -عليه السلام- فقد ابنه يوسف -عليه السلام- ثم أخاه، فصبر على محنته وبلواه، إذ لم يترك لليأس مجالا فيثبطه، ولا سرى في عروقه الشك بربه فيقنطه، بل تفاءل ورجا، أن يجد لمحنته مخرجا، فقال بقلب ملؤه اليقين، وإحساس الصابرين المتفائلين:(فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ)[ يوسف :83]، وما أجمله من تفاؤل وأمل، تعززه الثقة بالله حين قال: (يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ)[ يوسف: 87]، وأيوب -عليه السلام- ابتلاه ربه بذهاب المال، وفقد العافية والعيال، ثم ماذا؟! قال تعالى: (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ)[الأنبياء :83-84] ، إن المؤمن بقضاء الله وقدره، وخيره وشره، يعلم أن كل ما ألم به وأصابه، قد قدره الله عليه وكتبه، إيمانا بقوله تعالى: (قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ)[التوبة :51] ، إن المؤمن إذا جد في الحياة واجتهد للحصول على أحد المطالب، وواجه مشقات ومصاعب ثم فشل؛ فلا يسخط ولا يقنط، ولا ييأس. فالحياة كلها تجارب وابتلاءات، والأمل والتفاؤل مطلب للتغلب على الأزمات، يعطي المؤمن قوة وعزيمة، وطاقة عظمية. فكل ما يصيب المؤمن هو ابتلاء واختبار، مقدر عليه من الواحد القهار، وهذا دليل محبة الله سبحانه لعبده، قال تعالى:(مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِي)[التغابن :11] 

إخوتي في الله: إن أعلى درجات التفاؤل توقع الشفاء عند المرض، والنجاح عند الفشل، والنصر عند الهزيمة، و تفريج الكروب ودفع المصائب والنوازل عند وقوعها، فالتفاؤل في هذه المواقف يولد مشاعر الرضا والتحمل والأمل والثقة، ويبعد مشاعر اليأس والانهزامية والعجز.

فلنتفاءل لأن في كل محنة منحة، ولا تخلو مصيبة من غنيمة. وقد قال النبي – صلى الله عليه وسلم-:((ما من مسلم يشاك شوكة فما فوقها إلا كتبت له بها درجة، ومحيت عنه بها خطيئة)) رواه مسلم. ففي معترك المصائب أوقد جذوة التفاؤل، وعش في أمل وعمل ودعاء وصبر، ترتجي الخير وتحذر الشر. وقد كان النبي – صلى الله عليه وسلم- إذا استسقى قلب رداءه بعد الخطبة تفاؤلا بتحول حال الجدب إلى الخصب.

ونحن – إخوة الإيمان- بحاجة ماسة في هذا الزمان إلى الأمل الذي يحيي النفوس، والعمل الذي يرفع عن الأمة حالة الذل والهوان، وأخطر الناس من عاش بلا أمل، يسقط فلا ينهض؛ فإذا كان المرء مصابا بالقنوط مما نزل به من مصائب أو يئس من إصلاح الناس غدت الحياة في منظاره سوداء. قال تعالى:(وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللَّهِ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ. إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ)النحل:127-128].

بارَكَ الله لي ولَكم في القرآنِ العَظيم، ونفعني وإيّاكم بما فيهِ منَ الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفِر اللهَ العظيم لي ولكم فاستغفروه، إنّه هو الغفور الرّحيم.

 

الخطبة الثانية

 

الحمد لله المتوحد بالعظمة والجلال، المتعالي عن الأشباه والأمثال.. أحمده سبحانه وأشكره؛ من علينا بواسع الفضل وجزيل النوال، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، كتب الفلاح لمن اتبعه واحتكم إلى شرعه، ففاز في الحال والمآل.. صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه خير صحبٍ وآل، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد، فيا أيها المسلمون: إن الذين يحسنون صناعة الحياة، ويبنون أسس الحضارة هم أكثر الناس تفاؤلا وأملا، وإن المتشائمين لا يصنعون حضارة، ولا يبنون وطنا، ولا يعمرون دنيا. فلنكن من أهل الأمل والتفاؤل، ولنحذر اليأس وأهله، فإنه يطفئ جذوة الأمل في النفوس، ويقطع خيوط الرجاء من القلوب، فيورث الهموم والكروب، ويقتل بواعث الجد والعمل، ويسلم صاحبه للكآبة والملل، وليس اليأس والقنوط من صفات المؤمنين، كما قال الله عز وجل في كتابه المبين:(وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلا الضَّالُّونَ ) [الحجر:56].

وقال عبدالله بن مسعود -رضي الله عنه-: ((أكبر الكبائر: الإشراك بالله، والأمن من مكر الله، والقنوط من رحمة الله، واليأس من روح الله)).

 عباد الله: إن الحياة قصيرة فلا تقصروها بالهموم والأحزان، ولا تنغصوا عيش اليوم بالتفكير والخوف من المستقبل، لأن الحياة هكذا خلقت، لا تصفو لأحد من الكدر، فلا مبرر للخوف منها والحذر. ولولا أنها دار ابتلاء واختبار لم تكن فيها الأمراض والأكدار، ولم يضق العيش فيها على الأنبياء الأخيار. ورب محنة تلد منحة، ورب نور يشع من كبد الظلام، وإن النصر مع الصبر، والفرج بعد الكرب، وإن مع العسر يسرا، فأبشروا وأملوا، وأحسنوا الظن بالله وتفاءلوا، ولا تجعلوا لليأس طريقا إليكم فتهلكوا وتفشلوا، وتذكروا قول الله في الحديث القدسي: ((أنا عند ظن عبدي بي، إن ظن خيرا فله، وإن ظن شرا فله)). رواه مسلم

وما أجمل ما نظم الشاعر محمد مصطفى حمام، في هدا الموضوع إد يقول:

 

علمتني الحياة أن أتلقى                   كل ألوانها رضا وقبـــولا

ورأيت الرضا يخفف أثقا          لي ويلقي على المآسي سدولا

والدي ألهم الرضا لا تراه           أبد الدهر حاسدا أو عدولا

أنا راض بكل ما كتب الله            ومزج إليه حمـــدا جزيلا

فسح الله في فؤادي فلا أرضى      عن الحب والوداد بديـــلا

اللهم إنا نسألك من الخير كله عاجله وآجله، ما علمنا منه وما لم نعلم، ونعوذ بك ربنا من الشر كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم، اللهم إنا نسألك أن تغفر لنا ولآبائنا ولأمهاتنا، اللهم من كان منهم حياً فمتعه بالصحة والعافية على طاعتك حتى يلقاك، ومن كان منهم ميتاً فوسع له في قبره وضاعف له حسناته وتجاوز عن سيئاته واجمعنا به في جنة النعيم يا ذا الجلال والإكرام.. اللهم إنا نسألك يا ذا الجلال والإكرام أن تُعِز الإسلام والمسلمين في كل مكان.اللهم اجعل هدا البلد آمتا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين،أبدل ضائقة المسلمين سعة وهناء وسعادة يا رب العالمين. اللهم من أراد بنا سوءا أو بأحد من خلقك فأشغله اللهم في نفسه واجعل تدميره في تدبيره، اللهم أرنا في الظامين عجائب قدرتك فإنهم لا يعجزونك، اللهم اصرب الظالمين بالظالمين وأخرجنا من بينهم سالمين، اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات. الأحياء منهم والأموات برحمتك يا ارحم الراحمين. (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ). اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما صليت وباركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد.

ربنا اجعلنا من الذين قلت فيهم " إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم تجري من تحتهم الأنهار في جنات النعيم دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين".

إضافة تعليق