أنت الآن هنا: الصفحة الرئيسة - وسائط إعلامية - مقالات مكتوبة - العباءة والقبعة البيضاء، لباس تقليدي يفرض نفسه

مقالات مكتوبة

الخميس 15 أكتوبر 2009

العباءة والقبعة البيضاء، لباس تقليدي يفرض نفسه

العباءة والقبعة البيضاء، لباس تقليدي يفرض نفسه غرداية - الجزائر

يشكل اللباس التقليدي سيما منه العباءة البيضاء والقبعة البيضاء المعروفة باللهجة المحلية لسكان وادي مزاب بـ: تشاشيت أو الشاشية التي تلبس فوق الرأس من الخصوصيات التقليدية الراسخة في وسط سكان المنطقة سيما في المناسبات الدينية ومن بينها عيد الفطر المبارك

ويحظى هذا النوع من اللباس المتوارث عبر الأجيال المتعاقبة بشئ قد يرقى إلى درجة القدسية في أوساط سكان المنطقة لما يرمز إليه من أصالة وثقافة ذات بعد اجتماعي والتي لازالت تشكل وعلى مدى أزمان متتالية مرجعية هذا المجتمع.

وعادة ما يتهافت سكان المنطقة على هذا الصنف من اللباس التقليدي أي العباءة ذات اللون الأبيض والقبعة البيضاء الناصعة لارتدائه في المناسبات الاجتماعية وكذا الأعياد الدينية ومن بينها عيد الفطر المبارك الذي يحتفل به هذا الأحد حيث يقبل سكان مزاب ومن كافة الأعمار وبشكل مكثف على محلات بيع الألبسة التقليدية المنتشرة خاصة بشوارع الأحياء القديمة لمدينة غرداية ومن بينها الشوارع المحاذية للسوق المركزي بغرض اقتناء هذا اللباس عشية الاحتفال بهذه المناسبة.

وتفضل شريحة واسعة من الغرداويين سيما منهم المتقدمين في السن خياطة “العباءة ” بالشكل الذي يتناسب مع أذواقهم وبما يتلاءم مع الحجم الجسماني من حيث الطول والعرض وبما يتماشى أيضا مع أوضاعهم المادية في حين أن شريحة الشباب من المزابيين الذين لا زال اللباس التقليدي يستهويهم سيما “العباءة البيضاء” بل يعتبرونه جزءا لا يتجزأ من هويتهم الثقافية، يتهافتون على شراء “العباءة البيضاء” الجاهزة.

وتتباين أسعار “العباءة البيضاء” وذلك حسب نوعية القماش الذي خيطت به أو من حيث نوعية الخياطة في حد ذاتها حيث يلاحظ أن الشباب المنحدرين من عائلات ميسورة الحال عادة ما يقبلون على اقتناء النوع الرفيع منها خياطة وقماشا وهو ما يعبر عنه محليا “بالعباءة الكاملة” وهي عادة ما تكون ذات تكلفة باهظة بالنظر إلى أنها خيطت بطريقة فنية رفيعة ولقماشها المستورد ذي النوعية الجيدة.

وبالنظر إلى الطلب المرتفع على هذا النوع من اللباس التقليدي سيما عشية إحياء المناسبات الدينية فانه يلاحظ انتشار كثيف لبائعي هذا الصنف من الملابس حيث يضطر بعضهم إلى عرض بضاعته على حافة الأزقة القديمة الضيقة بوسط عاصمة مزاب وعادة ما يكون هؤلاء الباعة من أقارب أصحاب محلات بيع الألبسة التقليدية مما يضمن لهم ترويج كميات هائلة من البضاعة في فترة وجيزة.

كما ينتشر هذا النوع من النشاط التجاري بساحة السوق التي تعتبر القلب النابض لعاصمة مزاب خصوصا في الأيام والساعات الأخيرة قبل توديع شهر رمضان المعظم والتي تعد فضاء تجاريا ملائما لمثل هذه الأنشطة المناسباتية حيث تعج بالزبائن من عشاق “العباءة اليبضاء” و”القبعة البيضاء” وتشهد السوق أجواء استثنائية يصنعها الزبائن في غدوهم ورواحهم وهم يبحثون عن البضاعة التي تتلاءم مع أذواقهم.

ولا تغيب وسط هذه الأجواء التجارية المزدحمة “العباءة” المستوردة من بلدان آسيوية ذات الأكمام الطويلة والتي أخذت وإلى حد ما تزاحم “ربيبتها” المحلية والتي تظل صامدة حيث يعمد بعض من هؤلاء التجار أيضا إلى عرض عينات من هذا النوع من العباءات المستوردة التي تختلف أثمانها حسب نوعية القماش أو العلامة التجارية.

ويكمن سر اختيار سكان وادي مزاب للون الأبيض للعباءة -حسب الأعراف المحلية- لما يحمل هذا اللون من رمزية قد ترتقي إلى “القدسية” حيث يرمز اللون الأبيض حسبهم إلى الخير والفرح والطهارة وصفاء القلوب وهي صفات تودع بها شهر الصيام والقيام وهي نفس الصفات التي استقبلت به هذا الشهر الفضيل.

وانطلاقا من هذه الاعتبارات الاجتماعية يفضل المزابيون أن يرتدي أطفالهم الصغار “العباءة البيضاء” التي تمثل لديهم بمثابة رسالة شكر وتعبد للمولى عز وجل الذي مكنهم من إتمام فريضة صيام هذا الشهر المبارك وتيمنا بهذا الركن من أركان الإسلام أن يبارك الله سبحانه وتعإلى في هؤلاء الأطفال لإتمام هذه الفريضة حين البلوغ.

ورغم التطورات التي يشهدها المجتمع المحلي فان “العباءة والقبعة البيضاء” سيظلان رمزا للباس التقليدي لدى المزابيين الذي يفرض نفسه دوما وبدون منازع حيث يبذل المهتمون بخياطة هذا النوع من اللباس المحلي الذي يشكل وجها من أوجه الموروث الثقافي لسكان المنطقة كل ما في وسعهم للمحافظة على هذا التراث والعمل على ترقيته بما يساهم في إضفاء نوع من الحداثة عليه لكن دون المساس بجوهره التراثي.

ويشكل هذا اللباس التقليدي في مثل هذه المناسبات الدينية جزءا من ديكور الاحتفالات حيث يتباهى الصغار والكبار بـ” العباءة البيضاء” طيلة أيام عيد الفطر المبارك والتي لا يكتمل بعدها “الجمالي” لدى الميزابيين بطبيعة الحال إلا بارتداء “الشاشية البيضاء” حينها يشعر الشخص بذلك الإحساس الباطني بأنه قد حافظ على شخصيته وقدسية هذه المناسبة الدينية المباركة.

 

المصدر وكالة الأنباء الجزائرية

إضافة تعليق