أنت الآن هنا: الصفحة الرئيسة - أحداث ومحطات - فتنة غرداية ديسمبر 2013 - الإباضية يتبرؤون من الخوارج

أحداث ومحطات

الإثنين 28 أفريل 2014

الإباضية يتبرؤون من الخوارج

د. عمّار طالبي

يبدو أن الأمر اختلط على كثير من الناس، فظنوا أن الإباضية خوارج، إذا رجعنا إلى التاريخ، وإلى المصنفات التي ألفت في الطرق الإسلامية، فإننا نجد هذا الوصف ألصق بهم، وصنفوا على أنهم فرقة تفرعت عن الخوارج.

ولكن إذا رجعنا إلى كتب الإباضية مثل كتاب "العدل والإنصاف" لأبي يعقوب الوارجلاني (ت570هـ/1175م) فإننا نجده يصرح تصريحا لا لبس فيه، أنه يبرأ من الخوارج من الصفرية والأزارقة والنجدات الذين كانوا يكفرون المسلمين ويبيحون دماءهم، وسبي نسائهم وأطفالهم، وهؤلاء قد تفرقوا اليوم، ولم تبق منهم باقية.

 ومصطلح الخوارج لم يظهر بوضوح إلا في سنة 72هـ وكان المصطلح القديم هو الحروبية (1) أو المحكة، وورد هذا المصطلح في رسالة عبد الله بن أباض إلى عبد الملك(2) وتاريخ هذه الرسالة يرجع إلى ما بعد سنة 67هـ، ووردت فيها البراءة من ابن الأزرق: "غير أننا نبرأ إلى الله من ابن الأزرق وأتباعه من الناس، ومعنى هذا أن مصطلح الخوارج ظهر بعد نشوء الأزارقة سنة 64هـ وشاع بعد سنة 72هـ وهم فرقة من الغلاة.

ينحصر معنى الخوارج في الاصطلاح، في الذين يكفرون مخالفيهم كفر إشراك، أو الكفر الذي يخرج صاحبه من الدين، وترتب على ذلك الاستعراض، أي قتل المخالفين لهم ومعاملتهم معاملة المشرك.

والإباضية لا يتبنون ما ذهب إليه الأزارقة والصفرية والنجدات من الحكم على المسلمين بالشرك، ويعامل الإباضية من يخالفهم معاملة المسلمين(3) وإن وصفوهم بجحد النعمة.

وردت روايات كثيرة واهية في شأن الخوارج، وتنسب إلى أهل النهروان باعتبارهم معارضين، ولا يسلم المعارض من أوصاف الذم والشناعة.

ويحضر كثير من الناس في أخبار الماضي للإيقاع بين المسلمين في عصرنا هذا، في حين غاب أصحابها وانتقلوا إلى الله، ولا يجوز أن تنسب أفعالهم إن أخطأوا إلى أجيال المسلمين الذين جاءوا من بعدهم، فتلك أمة قد خلت، ولكن أكثر الناس يقلدون ما مضى، ويريدون إحياء معارك جديدة، استنادا إلى ما ذهب في غبار التاريخ.

وهذه الألقاب من أهل الجماعة والسنة ومن الشيعة والخوارج استحدثت بعد عهد النبوة وفي زمن الفتنة، والخلاف السياسي في أصله ثم تحول إلى مذاهب عقدية.

يقول ابن باديس رحمه الله في دعوته الناس: "إلى اعتبار الأخوة الإسلامية فوق كل مذهب، وطريقة، وجنس، وبلد"(4). ويرى: "أن الذي يسع البشرية كلها في جميع عصورها هو الإسلام، بجميع مذاهبه، لا مذهب واحد، أو جملة مذاهب محصورة، كائنا ما كان، وكائنة ما كانت"(5).

وعندما زار ابن باديس غليزان سنة 1931 كتب: "واستدعانا إخواننا الميزابيون إلى محلهم، وأقاموا لنا احتفالا حضره جميع أفرادهم، واستدعوا بعض أعيان البلد فشاهدنا من أدبهم وكرمهم وحسن اقتبالهم لجمعية العلماء ما سرنا بهم كثير السرور"(6).

وعندما زار مستغانم في السنة نفسها كتب: "واحتفل بنا في مستغانم جماعة إخواننا الإباضية، ولقينا منهم من الإكرام مثل ما كنا نلقاه دائما منهم، في رحلتنا"(7).

وفي عنوان رحلته إلى وهران هذه العبارة؛ "مظاهر الاتحاد" كتب يقول: "كنا إذا حللنا بلدة فيها من إخواننا المزابيين يهرعون إلينا مثل بقية إخوانهم من أهل البلدة وفي بعض البلدان تسبق ضيافتهم ضيافة غيرهم، ثم تجد الضيافة عندهم تشمل أهل البلدة، وأعيانها، وتجد الضيافة عند غيرهم تشملهم كذلك، في مجامع الكرم أبناء الإسلام ترفرف على رؤوسهم روح الأخوة والاتحاد(8) وينصح المربين والأساتذة الذين يعلمون الشريعة أن يجعلوا تلاميذهم: "يطلعون على مدارك المذاهب حتى يكونوا فقهاء إسلاميين ينظرون إلى الدنيا من مرآة الإسلام الواسعة، لا من عين المذهب الضيقة"(9).

وكتب احتجاجا شديدة اللهجة باسم جمعية العلماء المسلمين ضد الاعتداء الفظيع في شخص إخواننا بني ميزاب باعتقال السلطة الفرنسية سيدين منهم في السجن وهما الأستاذ صالح بابكر رئيس جمعية الإصلاح ومدير مدرستها بغرداية والسيد بغياية أحمد بن حم نائب الرئيس، واحتجاجه أيضا بقوة ضد القرار القاضي بمنع أي اجتماع ما عدا موكب الجنائز وقال بمناسبة الخلاف على الأذان في غرداية: "هذا الحاجز كما يعلم الناس كلهم كان ولا زال من دعاة التوحيد والاتحاد وكنت أقول في مجالسي ودروسي: إن المذاهب الفقهية غير الأربعة المشهورة هي كالأربعة تتفق وتختلف عن نظر واجتهاد"(10).   

 ونحن نقول أنه لا يجوز بحال سفك دم أي مسلم إباضيا كان أو مالكيا أو غيرهما فهو محرم حراما غليظا شديدا بالكتاب والسنة وصاحبه إلى جهنم مخلد، وأن يتركوا التنابز بالألقاب مثل الخوارج وغير الخوارج، والتبديع والتكفير والله وراء القصد، فهذا اعتقادنا الذي ندين الله به.   

الهوامش:

(1) ناصر بن سليمان السابعي، الخوارج الحقيقة الغائبة، مكتبة الجيل الصاعد، مسقط 1424هـ/ 2003ص146 .

(2) المرجع نفسه ص147، ابن إباض، السير، جـ2 ص341.

(3) المرجع نفسه ص410 .

(4) ابن باديس، حياته وآثاره، دار الأمة، جـ4 ص297 .      

(5) المرجع نفسه 216.

(6) المرجع نفسه ص311.

(7) المرجع نفسه ص 314.

(8) المرجع نفسه ص320 .

(9) المرجع نفسه جـ 3 ص453.

(10) المرجع نفسه جـ 3 ص 500- 504 . 

 

المصدر جريدة البصائر

إضافة تعليق