أنت الآن هنا: الصفحة الرئيسة - أحداث ومحطات - فتنة غرداية ديسمبر 2013 - أزمة غرداية... الطريق الصعب إلى انتصار الطريق الثالث

أحداث ومحطات

الإثنين 7 أفريل 2014

أزمة غرداية... الطريق الصعب إلى انتصار الطريق الثالث

د. قاسم حجاج

عندما يتجاوز فئة من سكان ولاية غرداية الخطوط الحمراء في الإساءة إلى بعضهم البعض، فإنهم لا محالة يسقطون في فخ الحرب الأهلية والعدوان والظلم المتبادل: قتل النفس المحرمة بأيدي مسلمة جزائرية، استنزاف متبادل للثروات والطاقات وانتهاج سياسة الدور المحروقة وتعاطي الخطابات الهوجاء العنصرية الحاقدة المتبادلة، إلا من رحم ربك. لأنه لو تورط الكل فيما جرى في الأزمات البريانية والقرارية والغرداوية، لكانت المجازر والفظائع أكبر وأكثر وحشية. فالحمد الله أن من تورط فيها من هنا أو هناك ليسوا أكثر من ألفين أو ثلاثة على الأكثر ؛ بينما سكان الولاية يعدون بمئات الآلاف من البشر وتحديدا بعشرات الآلاف من الراشدين والراشدات، الذين لم ينساقوا وراء الاستقطاب والاحتراب الطائفي والعروشي والسياسي البغيض، وظلوا متطلعين إلى الطريق الثالث وإلى الخيار الثالث إلى الحل الثالث للعلاقة أو للقضية أو للأزمة وللحل...
لكم آلم كل وطني ومسلم ما حدث ويحدث في غرداية خلال الأزمة الأمنية الاجتماعية –السياسية من تشويه لصورة وسمعة المنطقة التي تعد خزانا للوطنية والتدين والثقافة والإبداع والعمل المنتج... لا يهم أن نتجادل حول من بدأ الأول الظلم لأخيه وجيرانه ومواطنيه، لأني بصراحة أتصور أن الظلم النسبي متبادل، ولكل تبريره، ولكني أتساءل أين ذهبت الطاقة الإيجابية السلامية وكيف سيطرت الطاقة العنفية السلبية على المشهد طيلة أربعة أشهر من الأحداث؟

المؤكد أن العنف السافر بين الإخوة في الدين والوطن، لم يبدأ منذ أواخر ديسمبر 2013م تاريخ بداية الصراع الأهلي في المنطقة، حيث تروي كتب التاريخ الوسيط عن مقتلات ومجازر فظيعة عرفها الاجتماع البشري للمنطقة والجزائر أيام القحط والكوليرا قبل وأثناء الاستعمار، وإن خبت فورات العنف الدموي منذ أن استتب الأمر للسلطات الاستعمارية أواخر الثمانينيات من القرن التاسع عشر، لتشهد المنطقة منذئذ أطول فترة سلام نسبي بين سكان المنطقة إلى اليوم، حيث تم احتكار القوة القهرية(السلاح) - والحمد لله- من طرف السلطات الاستعمارية ثم من طرف السلطات المركزية الوطنية بعد استقلال الجزائر. وفيما عدا تلك الحقبة (1882-2014م)، لم تسلم أية جهة في الجزائر من اقتتال داخلي لكل جماعة أو من اقتتال بين الجماعات العرشية. 
وما عادت حالة العنف المدمر المحدود هذه المرة إلى المنطقة، خاصة منذ أحداث بريان 2008-2009م، وخلال أحداث غرداية ديسمبر 2013- مارس 2014م، إلا لوجود ظروف حاضنة أو أطراف محركة ومستفيدة من داخل وخارج المنطقة، في سياقات وطنية وإقليمية ودولية معولمة تتميز بحساسية السلطات الوطنية من عمليات التدويل والعولمة والاختراق للمجال الإقليمي للدولة الوطنية. ولم يبدأ ذلك تحديدا وككل الاستحقاقات الانتخابية الرئاسية والمحلية بالخصوص، إلا مع اقتراب السباق المحفوف بكل المخاطر، نحو كسب معركة الرئاسة الجزائرية بين الموالين والرافضين للعهدة الرابعة للرئيس الحالي. كما أن ذلك العنف الأهلي لم يبدأ في غرداية فقط، بل شهدت عشرات المدن الجزائرية، منذ أواسط العقد الأخير سلسلة من الحركات الاحتجاجية، تتفاوت في درجة سلميتها وعنفيتها، حيث سجلت الإحصاءات ما يربو عن 10 آلاف حالة احتجاج عبر ولايات القطر كل عام.

وفيما يخص تقييم الوضع المتأزم، لا يهمني الحسم في الجدل المحلي الدونكيشوتي، بين أولوية البيضة على الدجاجة أو العكس، أو أكثرية الضحايا والخسائر في هذا الطرف أو ذاك، حيث أن الخاسر الأكبر هي المنطقة والجزائر. كما أن كلا من الفعل ورد الفعل، في العصر الاتصالي الرقمي، يأتيان تقريبا متزامنان، ومنه انفلات الوضع الأمني من جميع الأطراف الساعية لضبطه والانتقال به إلى حالة مستدامة من التهدئة والتطبيع من جديد. أما التفاصيل المتعلقة بالانتهاكات والتجاوزات والخروقات في حق الأشخاص والممتلكات والمقدسات، على الأرجح والأولى هي مهمة دستورية وقانونية وحضارية لرجال الأمن والقضاء والإدارة العمومية الوطنيين الذين عليهم المسؤولية الأولى والأخيرة للبث فيما يقدم بين يديهم من ملفات وتحقيقات. 
الواقع أن استراتيجية الاحتكام إلى الشارع بدل المؤسسات المجتمعية العرفية والمدنية والعامة الحكومية، بدأ في المنطقة منذ بدايات العقد الأخير مع بدايات حركات احتجاجية عديدة من مختلف أطياف سكان المنطقة، كان بعضها احتجاجي ضد الذات، وآخر احتجاجي ضد الآخر المحلي، وآخر احتجاجي ضد الإدارة والسلطة والشركات المحلية، وآخر احتجاجي ضد الممارسات الفوقية والوعود الكاذبة للإدارات المركزية والحكومات الستة أو السبعة المتعاقبة في ظل عهدة الرئيس الحالي.

أتحدث هنا وأنا ابن مجاهد معطوب حرب التحرير الوطنية، مجاهد بلا مزايدة على أحد، ولكن بلا ادعاء لبطولة فردية، فقد جاهد رحمة الله عليه مع إخوان له من كافة أطياف سكان المنطقة ضمن الخلية رقم 59، التابعة للمنظمة المدنية لجبهة التحرير الوطني.
أما الأطراف الرئيسية في الأزمة الأمنية الاجتماعية-السياسية الأخيرة فهم مجموعة من التصعيديين الراديكاليين ينتمون إلى أربعة أطراف رئيسية: فئة من التصعيديين مواطنون جزائريون من أصول مزابية، وفئة من التصعيديين مواطنون جزائريون من أصول عربية، وفئة من التصعيديين مواطنون جزائريون من مختلف الأصول، بعضهم يشتغل في دواليب الإدراة والأمن والقضاء والإعلام والمهن الحرة ومؤسسات الاقتصاد الشرعي وخاصة اللاشرعي، ينشد التمكين لمصالح شخصية أو مادية أو سياسية ضيقة، وفئة من التصعيديين مواطنون متوطنون خلال العقدين الأخيرين في المنطقة، من القادمين من ولايات الهضاب العليا والشمال عموما.

وداخل كل منها فئات مختلفة منها من يصعد لعقدة في نفسه، ومنها من يصعد لغرض في جيبه وخزانة أمواله أو لعقار يريد امتلاكه، ومنها من يصعد لرغبة في تصفية حسابات معينة ضد أحد أو مجموعة، مستغلا فوضى الأوضاع، ومنها من يصعد من أجل منصب انتخابي افتقده أو لمنصب يريد اقتناصه، ومنها من يصعد ليحصل على جرعة من المخدرات والخمر، ومنها من يصعد بزعم أن فئة من مواطني بلده خونة لم يشارك آباؤهم في الثورة وكأن العمل الثوري حكر على فئة أو آحاد، ومنها من يصعد تكفيرا لفئة من أعدائه باسم الدين الإسلامي الواحد، ينشد بـ"جهاده"، الفوز بمنزلة "الفرقة الناجية"...ومنها من صعد لوقوعه في فخ الاستحمار أو التوجس الزائد من الآخر أو انتقاما شخصيا أو حمية عصبية أو دفاعا عن النفس تجاوز معه المدى، أو تورطا في شبكات اتصالية فايسبوكية وردا أو تأويلا لكلام صادر عن تلك الجريدة أو القناة أو البيان، ومنها ومنها...
ولكن ما ينبغي التأكيد عليه هو التساؤل التالي: أين البقية من سكان الولاية والمنطقة، مما يجري من أحداث تراجيدية، منذ أربعة أشهر، إذا علمنا أن أولئك التصعيديين جميعا لا يمكن أن يربو عددهم عن ألفين إلى ثلاثة آلاف على أكثر تقدير؟ ؛ لماذا ظلت تلك البقية -رغم أنها أغلبية عددية وموضوعية- في وضعية الصمت أو الخوف أو التبرير أو التردد، من دون أن تؤثر على مجراها بموقف واضح تجاه التصعيديين من كل جانب؟؟؟

ومن جهتنا، نقدم محاولة تصنيفية في مواقف المتدخلين والفاعلين خلال الأزمة الأخيرة، حيث نجدهم قد انقسموا على اختلاف المواقف الجزئية النسبية لكل منهم، إلى مواقف كلية ثلاثة:

أولا: أصحاب الخيار الأول أو الحل الأول أو السيناريو الأول أو الطريق الأول: طريق الصراع والكراهية والانتقام والتهميش والاقصاء والتكاره والتناكر والتعصب والتذويب والطمس والدمج القسري والتخوين والتكفير المتبادل.. وهو ليس وليد الأزمة الأخيرة، وإنما معروف منذ القديم ويمكن الاكتفاء بالتذكير بممارساته منذ فجر الاستقلال الوطني في عهد الحزب الواحد، عهد الأحادية والديكتاتورية...

ثانيا: أصحاب الخيار الثاني أو الحل الثاني أو السيناريو الثاني أو الطريق الثاني: وهو طريق التحريش بين الطرفين الأساسيين المكونين للتركيبة السكانية المحلية منذ قرون وهم الأمازيغ المزابيون الإباضية والعرب المالكية. طريق إيغار الصدور والنفاذ بين الشقوق وتوسيع الصدوع وضرب هذا بذاك للظفر بنصيب من كعكة النفوذ والسلطة والثروة في منطقة بلاد الشبكة، التي تعايش فيها منذ قرون عدة أعراش ومذهبان إسلاميان أصيلان في العالمين العربي والإسلامي قديما وحاضرا ؛ كما باتت المنطقة تستقطب العديد من الاستثمارات الحكومية والخاصة في عدة قطاعات، وقد شهد أرشيف الولاية عملية حرق مشبوهة قبيل الأحداث ربما لطمس آثار الفساد في الصفقات العمومية المتعلقة بمشروع القرن في المنطقة للصرف الصحي بمدن سهل مزاب، ومشاريع تعويضات الفيضانات الأخيرة 2008م. وقد استند أصحاب هذا الطريق الثاني ليرعى مصالحه ويثبت وجوده ضمن الهوية المحلية لحالة التحاسد والتباعد النسبي بين المكونات الأصيلة للمنطقة، تحاسد وتباعد خلفته عقود الأحادية الحزبية والانتقال المضطرب إلى التعددية الحزبية والسياسية واقتصاد السوق.

ثالثا: أصحاب الخيار الثالث أو الحل الثالث أو السيناريو الثالث أو الطريق الثالث: هو طريق العيش المشترك، والاعتراف المتبادل، طريق صناعة الحياة لا صناعة الموت، طريق بناء الحاضر والمصير المشترك على أساس القيم المشتركة والمصالح المشتركة والشورى والديمقراطية (النيابية والتوزيعية والتشاركية والتوافقية)، ديمقراطية الإجماعات والحكمة الجماعية والذكاء الجماعي والتداول السلمي للسلطة والتضامن العضوي بين مكونات مجتمع محلي جزائري مسلم ينشد المزيد من التحضر والنماء المتقاسم... 
إن هذا الطريق الثالث في الحقيقة -وبرغم انتفاش وضجيج أصحاب الطريقين الأول والثاني التدميريين- هو طريق الأغلبية الفاعلة والصامتة، والمغرر بها، في الآن معا. طريق الأغلبية التي يسدد ويقارب يعضها من أجل أن تتوسط -في تعريفها لهويتها المتعددة طبيعيا ووظيفيا- بين الأنا والآخر، بين الخصوصي والعالمي، بين المحلي الوطني والكوكبي. تأبى أن "تنظر إلى العالم من ثقب الإبرة" على حد تعبير أستاذنا للفلسفة بكير بن سعيد أوعوشت، وترفض أن تنظر إلى المحيط من النافذة، فتقول هذا هو المحيط ولا شيء غيره، على حد تعبير المفكر العالمي طارق رمضان.

إن الطريق الثالث هو طريق العقل والعقلانية المؤمنة، طريق الاستقامة الموضوعية، طريق حكمة الأجداد أمثال حكمة الأستاذ العلامة الجربي المخلص عمي سعيد، الذي علمنا كيف نفرق بين القوة والعنف، بين الشجاعة والتهور، خاطا للأجيال من بعده -عبر مسيرته الإصلاحية- طريق اللاعنف أو القوة من غير عنف، قوة الحقيقة، قوة التسامح، قوة الإيثار، قوة الحلم، قوة الحوار، ليقضي على فتن الأمس التي طالما ضربت هذه الربوع أيام الانحطاط والترهل الحضاري.

واليوم ما يزال الطريق الثالث العمي سعيدي، هو طريق المستقبل، طريق الصالح العام المشترك، لا طريق الأنانية والتعصب الأعمى وضيق الأفق والنرجسيات والفاشيات، ولا طريق التناكر والاقتتال الناتج عن قوة التركيز على القيم المتناقضة المختلفة والمصالح المتناقضة المختلفة ، طريق أقلية من هذه الفئة من سكان المنطقة أو تلك، دأبها استغلال البقية أو الأغلبية-للأسف- للاستئثار والاستحواذ على المزيد من النفوذ والسلطة والثروة والمكانة والمال والعقار والمنصب. أقلية مكونة من مجموعة من السياسيين المتحزبين المتعصبين، المغامرين، المغرورين، أو مجموعة من الإداريين والأمنيين التافهين المستتبعين، الذين لا يفهمون منطق الدولة ومسؤولية الانتماء للوطن.
بعبارة أخرى، إن أصحاب الطريق الأول وأصحاب الطريق الثاني، في الحقيقة طريق واحد، هو طريق الذين اختاروا طريق التطرف والحدية والأصولية المذهبية والعرقية والجهوية المنغلقة والعنصرية والانتهازية والوصولية والماكيافيلية. إنه طريق "أنا وبعدي الطوفان". وهو أيضا طريق عمى الألوان الذي يرى إلى العالم وفق منطق اختزالي تبسيطي مانوي تجزيئي إقصائي، منطق "أنا أو هو" لا منطق "هو وأنا" ؛ منطق "هم أو نحن"، لا "منطق هم ونحن". إنه طريق العواطف. أليست "العواطف عواصف"، على حد قول الحكيم الجزائري محفوظ نحناح(رحمة الله عليه). إنه طريق الاستبداد والديكتاتورية والاستعباد والاستحمار والاستدمار. 

وهنا تحضرني مساهمة هيجل الألماني، فيلسوف التاريخ، وهو يتحدث عن جدلية صانعة التاريخ البشري من قديم، عن جدلية العبد والسيد التي تخضب بالدماء مسيرة البشرية المشرئبة عبر طريق الآلام والمآسي، نحو أفق الحرية. أي أن التاريخ في جوهره حسب هيجل، هو تاريخ تتالي حالات من الصراع بين فكرة العبودية والاستعباد والاستبداد وفكرة الحرية والتحرر والديمقراطية. ومنه اعتبر كل انتصار مادي للسيد هو هزيمة معنوية له، لأن العبد سيكون له بعد الهزيمة الوعي بالذات عبر العمل والمثابرة، بينما يستسلم السيد لنوازعه وشهواته منتشيا بالنصر، وكأن عجلة التاريخ متوقفة عنده. أي هي بمفهومنا الإسلامي تاريخ جدلية البحث عن الاعتراف والتوق إلى السيادة والحرية والمساواة في الآدمية والمواطنة، إلى حين الإقرار العالمي الفعلي لا الخطابي والمزاعمي والبياناتي، بأننا بنو آدم وحواء مهما تنوعت صورنا وأشكالنا واتجاهاتنا الفكرية وحضاراتنا، وأننا برغم المستبدين والتجزيئيين والأنانيين سواسية في الطبيعة البشرية وسواسية في العبودية لله الأوحد وسواسية في الحقوق والواجبات الإنسانية الأساسية لا فرق بيننا إلا بكفاءتنا وأخلاقيتنا وعملنا. يقول الله تعالى: "والعصر إن الانسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر."

وهنا أتذكر مشاهد لإمكان انتصار الخيار الثالث الصعب، من خلال عرض عينة من المواقف والتجارب والمشاهد التاريخية والاجتماعية التي عايشتها في المنطقة والجزائر، لأرسل لأجيال اليوم رسالة الأمل والتفاؤل والمحبة والوئام، التي أراد أصحاب الطريقين الأول والثاني وأدها في نفوسنا وعقولها ومؤسساتنا ونوادينا وإعلامنا ومدينتنا ومنطقتنا الغالية "بلاد الشبكة" وجزائرنا الموحِّدة الواحدة في تنوع، ومنها:

أولا: أذكر من تلك المواقف والتجارب، موقف والدي وأمثاله كثيرون من آبائنا وأبنائهم في المنطقة ومن جميع العروش كيف تساموا فوق الجزئيات والتنوعات الصغيرة، ليخطوا لنا طريق النصر، طريق التحرير، طريق الاستقلال، وطريق الوطنية، طريق الإسلام، وطريق الوحدة، تحذوهم غاية أسمى هي: "تحرير أرض وشعب الجزائر، وبناء الدولة الجزائرية المستقلة الحرة في إطار المبادئ الإسلامية، ضمن اتحاد المغرب العربي." وقد ظهر تأثير تربية ذلك الجيل من آبائنا في الجيل الذي ولد في الأربعينيات والخمسينيات تركوا بصمات غير التي يتركها اليوم جل جيل الآباء الجدد في أبنائهم ؛ بصمات الانغلاق في حدود النفس والحي والبلدة والعرش والقصر والقطر والمذهب والجماعة الدينية والحزب والصفحة الفايسبوكية.
ومن هذه اللقطة التاريخية، حري بكافة سكان المنطقة وخاصة أصحاب الطريق الثالث أن يتأسوا بتلك الثلة من الرجال والنساء الذين نذروا أعمارهم وأرواحهم وأموالهم من أجل القضية الاستقلالية الوطنية، لا يهمنا نحن أجيال اليوم إن كانوا في أسلوبهم التغييري ثوريين أو إصلاحيين ؛ فقد اختلفوا في التكتيك ولم يختلفوا في الاستراتيجية، اختلفوا في الوسيلة والاجتهاد ولم يختلفوا في الغاية والمبدأ. لقد ناضلوا وجاهدوا معا ضمن ما يسمى بـ"النظام" نظام جبهة التحرير الوطني سواء في الجيش أو المنظمة المدنية، من أجل تحرير الجزائر، وواجهوا أعتى قوة احتلالية استيطانية، أطلسية الدعم، آنذاك بمختلف الطرق والوسائل. فلا ينفع اليوم أن يأتي الأبناء والأحفاد ليتناوشوا ويتنازعوا تلك الملحمة، ويزعم أحدهم احتكار الروح الثورية والجهاد والفداء والوطنية والبطولة، بينما يرمي الآخرين كل الآخرين بالخيانة والتخاذل والاستسلام. اليوم ليس من حق أحد أن يحتكر لنفسه أو عنصره أو فئته، ذلك التراث الثوري والرصيد البطولي والرمزية الوطنية، والجهادية الإسلامية، فالخيانة والبطولة ليس لها جنسية أو عرقية أو قومية أو فئوية وديانة معينة. فنحن في بداية ونهاية الأمر بشر، نقوى ونضعف، نسكن ونثور، نلين ونخشوشن، نقبل وندبر، نقاتل ونهادن، نفاوض ونناور، المهم أننا إذ نفعل ذلك نفعله لغاية إنسانية نبيلة لا لغاية خسيسة...

ثانيا: ومن تلك المآثر الخالدة لآبائنا الوطنيين الأفذاذ، أن أختي الكبرى "عائشة" رحمة الله عليها، سليلة الخريجات الأولى من المدرسة الحرة بنات لجمعية الإصلاح، تركت لنا ميراثا رمزيا معبرا عن همة طموحات وغايات الحياة لأجيال الأمس، حري بأجيال اليوم أن تسترشد بها أجيال أضحت للأسف سجينة أنانياتها ومناطقياتها وطوائفها وحزبياتها وجماعاتها الدينية الضيقة وصفحاتها الفايسبوكية ومصالحها الفردية والعائلية والبلدية المحدودية. فقد تركت لنا عائشة لوحة فنية رسمت عليها بيديها الطامحتين، وبقطع الكتان الملون، ثلاثة أعلام للأقطار المغاربية الحديثة الاستقلال: يمينا علم للقطر التونسي، وفي الوسط علم للقطر الجزائري ويسارا علم للقطر المغربي. وكتبت في أعلى اللوحة وأسفها، بخط يدها وبالعربية الفصيحة، العبارة المعبرة التالية: "تحيا الجزائر حرة مستقلة ؛ والمجد والخلود للمغرب الكبير موحدا".

من هذه اللقطة التاريخية، حري بأجيال اليوم أن يعكسوا انسياقهم الحالي نحو الهاوية، من خلال إطاعتهم لتعصباتهم المتبادلة البادية في جل اتجاهاتهم الفكرية وسلوكياتهم السياسية ومعاملاتهم اليومية، التي تركز غالبا على المختلف تبرزه وتشيد به، وعلى الانتماءات الجزئية الضيقة تعليها وتعطيها الأولوية ؛ متنكرة للانتماءات الكبرى الواسعة المحلية والوطنية والإسلامية والمغاربية والإنسانية، بدعوى أنذر عشيرتك الأقربين، أو بدعوى الوقوف ضد الاستدراج نحو الاندماج الكلي مع الآخر والتنكر للذات، أو بدعوى الخيانة للمبادئ والتنكر للتاريخ والتفريط في المكتسبات...متخذة "استرتيجية الحذف بدل الضم"، وسيلة لإرواء شهوة التسلط على العباد. إن جيل الثورة التحريرية كان جيلا وحدويا برغم فهمه القاصر لتلك الوحدة على أنها "وحدة تنميطية" لا "وحدة في تنوع" ؛ أما أجيالنا الحالية فهي في معظمها ذات توجهات فكرية-سياسية تجزيئية، انكفائية، انفصالية. واليوم بعد أن ذقنا ويلات محنة الانقسام والتقسيم في محنة غرداية الأخيرة، لا خيار لنا سوى إنقاذ السفينة الوطنية التي تقلنا جميعا، ومعها ننقذ المنطقة التي عشنا ونعيش فيها من الحلقة الرهيبة المفرغة للتقسيم والأنانية، ببناء رؤية وطنية غير انكفائية على الذات هي أيضا، نسعى من خلالها لبناء وحدة الأوطان ضمن "التكتل المغاربي-الساحلي الكبير"، الذي كان في التاريخ والجغرافيا القديمة والوسيطة، فضاءا متناغما ومتواصلا اقتصاديا وسياسيا وثقافيا واجتماعيا منذ قرون مديدة، ولكن الخرائط الاستعمارية الحديثة التأسيس والحاضرة التأثير، أرادته وتريده فضاءا للانفصال والتنازع والتشاكس، ليسهل استنزاف ثرواتها البشرية والمادية ومنع مشروعات الوحدة الكبرى من الانتصار على مشاريعها التجزيئية، لأن فيها تهديدا لمصالحها، خاصة عندما تعمد إلى تصدير أزماتها إلينا وحلها على حسابنا، كما تفعل اليوم وهي في عز أزمتها الاقتصادية منذ 2008م والتي يتوقع استمرارها إلى حوالي 2017 أو 2020م.

ثالثا: أتذكر أيضا عندما كنت تلميذا في مدارس جمعية الإصلاح، فرع بابا السعد، في أواسط السبعينيات أن المدرسة كانت تضم بين أقسامها وساحاتها ومسابقاتها الفنية والعلمية والقرآنية أطيافا من أبناء المنطقة بلا تمييز بين مزابي وعربي. الجميع يدرس، يلعب، يتسامر غالبا، وقد يتعارك أحيانا، لكن لا مكان لروح الإقصاء والخلفيات والتحاسدات والعنصريات البغيضة...

كما أتذكر القائمة الطويلة من معلمي وأساتذتي في مدارس الإصلاح والمدرسة البلدية(الإمام محمد بوزيدي)، والمتوسطة المختلطة سابقا، عبد الرحمان بن رسم حاليا، والثانوية المختلطة سابقا، الأستاذ محمد الأخضر فيلالي حاليا، ثم جامعة الجزائر وجامعة باريس الثامنة. في كل الأطوار كانت هيئة التدريس والإدارة في مدرستي الجزائرية متعددة الأعراق، ولا باس أن أذكر الأستاذ بوداود رحمة الله عليه وإمناسن محمد واحميدة قادة وبوعبدلي وبوسماحة وبرحال وشطيبة مسعود وأولاد يحي وفخار محمد وعلواني عمر وأعوشت بكير وبلعديس إبراهيم وفخار إبراهيم والحاج سعيد عيسى رحمة الله عليه وكرشاشة إبراهيم وكارة عمر وحدبون قاسم رحمة الله عليه وإتبيرن إبراهيم وقبلهم الأفاضل طباخ بانوح وعدون رحمة الله عليهما، وغيرهم، فضلا عن تتلمذي على يد أساتذة غير جزائريين متعاونين مخلصين أكفاء من كل باكستان(لغة إنجليزية) والعراق ومصر وفرنسا. ولا تسلني عن قائمة أساتذتي في جامعة الجزائر أخص بالذكر المرحوم جيلالي اليابس والقدير وليد عبد الحي الفلسطيني والشهم سليم قلالة ومحمد خدام وينون وبدعيدة ونواصر واسماعيل دبش والقديرة المخلصة المتمكنة الجيجلية العظيمة سكينة دامية وبلقاسم بومهدي وعبد القادر محمودي والمرحوم صخري... أنا اليوم كـ"دكتور"، صنيع ونتاج هؤلاء وأولئك جميعا، إذا لست ميزابيا خالصا ولا عربيا خالصا ولا فرنسيا خالصا ولا جزائريا خالصا، بالمعنى الحصري الضيق لتلك الانتماءات، أنا صنيع أولئك وأولئك... جزاهم الله عنا خير الجزاء.

كما أتذكر أيام كنت أستاذا بجامعة التكوين المتواصل فرع غرداية في السنوات الأولى لافتتاحها، أستاذ للجميع ومشرفا على بحوث الجميع. نفيد ونستفيد بلا تمييز.
أيضا، أتذكر أيام كان عينت أستاذا ثانويا مستخلفا أيام كان أستاذي الخلوق المرحوم بزين صالح مدير ثانوية علال بن بيتور بمتليلي. فقد كنت خلال السن الدراسية 1996-1997م، أذهب وأعود بالحافلة عدة مرات في الأسبوع، بين غرداية متليلي. كنت أدرس مادة التاريخ والجغرافيا لأبناء وبنات متليلي الشعانبة بكافة أطيافهم هم أيضا، كما كنت أدرس في الحين نفسه أبناء وبنات المزابيين الإباضية في معهدي الإصلاح وعمي سعيد ؛ فوجدت في هيئة الإدارة والتدريس والتلاميذ في ثانوية متليلي، كل الاحترام والتقدير. كما رأيت كيف يملأ التلاميذ بأقلامهم وأفكارهم أعمدة مجلة "الاستقامة" الحائطية الطلابية، فتأكدت أن لا فرق بين أبناء الوطن في تحري "الاستقامة" في الفكر والسلوك. وكنت أجد من طواقم الثانوية كل التقدير والاحترام وأذكر من بين أولئك الأستاذة المراقب حسين لعمش، والأساتذة سويد محمد ودهان إبراهيم وعلال لروي وغيرهم كثر. وفي تلك الطريق تعرفت على الأستاذ الدكتور في الاقتصاد أحمد لعمى، زميلي فيما بعد في جامعة ورقلة، والوزير المنتدب السابق للتنمية الريفية والمستشار الحالي لرئيس بلدية متليلي، أتذكر أن حديثنا في الطريق بين متليلي ومتليلي الجديدة، كان كله أمل في التغيير والإصلاح الوطني نحو الأفضل، برغم تتالي فصول الأزمة الوطنية في التسعينيات.

كما أتذكر تلك الأسابيع التي جمعتنا فيها قاعات المعهد الوطني للتكوين الإداري بورقلة برؤساء البلديات من تنظيم وزارة الداخلية وجامعة التكوين المتواصل، من أجل تكوين رؤساء البلديات الأقل من 35 ألف نسمة، الواقعة جنوب شرقي الجمهورية، خلال سنة 2008م. وقد تعرفنا فيها على رؤساء بلديات سبسب والمنصورة وضاية بن ضحوة والقرارة والعطف وزلفانة وحاسي القارة، وغيرهم من الولايات الجنوبية الأخرى، فكان بينهم وبيننا هيئة التدريس والتدريب كل الود والاحترام والاعتراف المتبادل والتعلم المتقاسم والذكريات العزيزة.
من هذه اللقطات التاريخية، من قطاعات التربية والتعليم والشباب والرياضة والثقافة الجزائرية الحديثة والمعاصرة، تبرز أهمية التنشئة الوطنية والإسلامية وقيمة أجواء الثقة المتبادلة الغالبة بين سكان المنطقة، قبل أن تنزغ في أوساطنا نزغات العنصرية البغيضة، مؤسسة لاتجاهات التنشئة الانعزالية والتمزيقية للنسيج المجتمعي المحلي والجزائري والإسلامي. إن مساهمة التعليم الحر والعام الوطنيين في المنطقة في تنمية اللغة العربية وإحياء التراث الأمازيغي والتشجيع على تقوية ديناميكية التعارف الفكري بين مدارس الاجتهاد الديني الإسلامي، كان كفيلا بأن يجنب المنطقة ما جرتها خلال حكم الحزب الواحد، وتجرها إليه خلال التعددية الحزبية الصورية، تلك الاتجاهات التعصبية لأصحاب الطريقين الأول والثاني، طريق المتعصبين الانعزاليين أو التذويبيين-السحقيين التكفيريين والتخوينيين التصعيديين- فأضحت النخب المحلية الدينية والسياسية والتعليمية والثقافية والاقتصادية إلا من رحم ربك، تتخندق في خنادقها الفئوية والعرشية والجماعاتية، متوسلة بالعنف اللفظي والعضلي والمادي تريد تدمير الذات المحلية والوطنية الواحدة-الغنية والثرية والواعدة بتنوعاتها الطبيعية والوظيفية. وكان حريا بها أن تتوسل بالحكمة والحوار والتثاقف والتعارف والتسامح والصداقة والأخوة في الله والوطن وبالأساليب الديمقراطية المتحضرة، لتحقيق تنمية جماعية شاملة، لا تقصي من مزاياها أحدا من الجزائريين، أصيلا أم نزيلا أم وافدا ؛ ولا تحتكر لنفسها قيم ومثل ومآثر وسلوكيات الوطنية والثورية والصلاح والاستقامة والإسلام والإخلاص والديمقراطية، ولا تستخدم استخداما انتقائيا أو إقصائيا تجزيئيا أية قيمة أو مبدأ أو أصل من الأصول القيمية المشتركة الوطنية والإسلامية العالمية، لضربها في الصميم. 

رابعا: أتذكر أيضا أيام كنا نتنافس تنافسا بريئا شريفا نحن الفتيان من مختلف الأصول في عقدي السبعينيات والثمانينيات ضمن خلايا المؤسسات التعليمية والأحياء، التابعة للاتحاد الوطني للشبيبة الجزائرية(UNJA)، التابع بدوره للحزب الواحد آنذاك(حزب جبهة التحرير الوطني)، ننشد الأناشيد الوطنية معا، ونتعلم معا الموسيقى والتمثيل المسرحي والفنون الجميلة في مركز الشباب بغرداية وفي فروع الاتحاد بأحياء بلغنم ووسط المدينة وغيرها.

 أيضا أتذكر أيام كنت مناضلا في التسعينيات ضمن صفوف حزب حماس سابقا(حمس حاليا)، كنت قد قُبلت صحفيا في جريدة النبأ الأسبوعية الإسلامية الوطنية، التي كان رأسها صديقي الأستاذ الدكتور بشير مصيطفى ابن متليلي الشعانبة، وبعده المهندس عبد المجيد مناصرة الشاوي(الوزير السابق ورئيس حزب التغيير الوطني حاليا) ؛ ثم انتخبت رئيسا لتحريرها بعده، كانت هي أيام تألق رئيس الحركة الأستاذ محفوظ نحناح والشهيد الذبيح محمد بوسليماني(رحمة الله عليهما). عملت مع ثلة من الصحفيين الإسلاميين الوطنيين الشباب من مختلف مناطق الجزائر، توسدنا مكاتب التحرير، وغامرنا بحياتنا أيام العنف الأعمى والمبرمج الذي حصد عشرات الصحفيين والأئمة والمثقفين والإطارات الجزائرية، وكانت فرصتنا المشتركة بأن تعلمنا وعلمنا بلا تمييز ولا إقصاء ولا تعصب ولا تطرف ولا انتظار أجرة مالية. ثم عند عودتي إلى مسقط رأسي غرداية، نضالت محليا -وبمثالية مبالغ فيها- كأمين ولائي للإعلام، من أجل تحقيق مُثل الأصالة والتنمية والتعايش، أيام كان رئيس الحركة على المستوى الولائي هو الأستاذ المرحوم محمد بلخضر، ثم المجاهد محمد رمضان، ثم الفاضل عيسى اعمير. كان تجمعنا روح ونهج محمد(ص) وإباض ومالك وابن باديس وبيوض ومفدي وعميروش، بلا تمييز، وبلا تصنيف في الأهمية والأولوية والأفضلية والوطنية والخيرية، نريد أن نتأسى بهم وكفى في خدمة بناء الجزائر وتوحيد بلاد الإسلام ونشر السلم بين بني الإنسان جميعا.

كما أتذكر أيام العمل في مدرسة الصحفي الأستاذ الحاج داود نجار، في مدرسة الواحة جريدة الجنوب الكبير، خلال سنة 1992م، حيث جمعتنا به وببعض الصحفيين من مختلف الأصول صحافة الأخلاق لا الارتزاق، وصحافة المبدأ والمصلحة العامة لا صحافة الجهوية والعرقية والمافوية والمصلحة الفردية الضيقة. مدرسة متشيعة بالوطنية والإسلام السمح والأخلاق العالية في أدائها الإعلامي، لا تتوان في الغوص في عمق أزماتنا المحلية والوطنية محددة جوهرها في مبدأ واحد ووحيد هو الخوف من الله وحده لا من العبد، مهما كانت جبروت الطغاة والمافيا والسياسيين المستبدين.

ومن هذه اللقطات التاريخية، يمكن أن يستوحي الأبناء من أجيال اليوم-الذين جعلت السياسة القذرة بعضهم وقودا لحساباتها وعلى حسابهم- معاني ومُثل الانهماك من الرأس إلى أخمص القدمين، في العمل الصالح خدمة للوطن والدين، تثقيفا وعملا صحفيا وتعليما ونشاطا شبانيا وفنيا. طبعا لم تكن قد حلت بوديان بلاد الشبكة من القرارة إلى حاسي القارة ومن الضاية إلى زلفانة، شبكات التواصل الاجتماعي والإنترنت والبث الإعلامي الرقمي الفضائي المباشر ولم تغزو أنواع السيارات والأجهزة الإلكترونية والفواكه الخضر والموضات المتكاثرة من الألبسة الوطنية والمستوردة والقروض والمخدرات والمسكرات والمشاهد الجنسية الخليعة من كل نوع أسواقنا وبيوتنا وشوارعنا ونوادينا وأعراسنا... آنذاك لم يكن التواصل الآلي بيننا بهذا الحجم من الكثافة والخطورة حتى أضحى بسبب ذلك الفرد أولى من الجماعة والمنطقة أولى من الوطن والجماعة أولى من الأمة والمادة أولى من الروح، والشهادة أولى من العلم، والمعلومة أولى من التعارف والمحسوبية أولى من الكفاءة والربح السريع أولى من الربح النظيف...

أخيرا، وليس آخر، أكرر وأقول ليس الطريق الثالث من دون أشواك ومن دون عقبات ومن دون منغصات ومن دون خيبات، ولكنه طريق التعمير والبناء، طريق التكامل والتناصح، طريق الوطنية الحقة والإسلام الحق. أعرف من تجربتي التي ذكرت بعض مشاهدها وتجاربها أعلاه، أن فئة هامة من سكان المنطقة تستنكر ما حصل ويحصل ولا تجد كيف تحول بين وقوعه واستمراره وتكراره. لكن الواقع يؤكد برغم تلك الخيبات في مسيرة أصحاب الخيار الثالث، أن التصعيديين، المتعصبين، العنفيين، الإقصائيين، المستبدين، هم الاستثناء وليس القاعدة، هم أصحاب طريق الأقلية لا أصحاب طريق الأغلبية في المنطقة والجزائر قاطبة. ومنه، أذكر بما يحذرنا منه الحكماء أمثال الأستاذ القدير المستنير الأصيل دجال محمد أن حذاري من الانسياق وراء آفتين مدمرتين لاجتماعنا المحلي: التآكل الداخلي والتعميم الظالم. ومنه، على أصحاب الطريق الثالث أن يستعيدوا المبادرة ويضمدوا الجراح ويعيدوا لمدينة غرداية رونقها وللمنطقة تلاحمها وللجزائر تألقها بين الأمم.

قاسم حجاج / أستاذ-باحث في العلوم السياسية

تعليقات

مواطن الجمعة 09 ماي 2014 - 23:38

بارك الله فيك ياستاذ . بودي بعد أن شخصت الداء أن تطرح علينا خارطة الطريق التي تراها تصلح لاصحاب الطريق الثالث وشكرا .

إضافة تعليق